“الإنسانيات والرقميات وعصر ما بعد كورونا”

متابعة الصباح الجديد: صدر حديثًا عن منشورات فضاءات في الأردن كتاب “الإنسانيات والرقميات وعصر ما بعد كورونا” للأديبة والأكاديمية المغربية زهور كرام، وهو كتاب يشخص إشكالات آنية تعيشها الذات العربية وهي تواجه التكنولوجيا ضمن سياقات ثقافية وفكرية مختلفة، تشخيصًا يمهد لبناء صورة مستقبلية للذات في عالم ما بعد كورونا.
يناقش الكتاب علاقة الإنسانيات بالرقميات بصفتهما حقلا معرفيا جديدا، ينهض على ربط منجزات الماضي بالحاضر، وهو الربط الذي بإمكانه تنوير الطريق نحو تموقع آمن في عالم متغير. لذلك لجأت الباحثة إلى رصد علاقة “النحن” بالرقميات، إذ أرغمت الثورة الرقمية الإنسان على السباحة في المجال الرقمي، ويسرت تواصله ونمط عيشه وجعلته جزءا من هذا المد السائل واللانهائي الذي توفره الرقميات من معلومات وخدمات، بل إن الرقمية تحولت إلى بديل حقيقي للحياة في شقها المعيشي.
ووفقًا للمؤلفة، فقد أجبرت كورونا المجتمعات على الانسحاب من العالم الخارجي، وفي المقابل حضرت التكنولوجيا بوصفها بديلا لهذا العالم الخارجي، وقد تولد عن هذا الانتقال سؤال عميق: كيف سنوجد بعد كورونا؟
ينطلق الكتاب من تحديد مجموعة من المفهومات من قبيل الإنسانيات والرقميات والذكاء الاصطناعي والعلاقة التكاملية الحاصلة بين الإنسان والحاسوب وعلاقة الافتراضي بالواقع، وهي مفاهيم تواكب طبيعة التحولات التي تعيشها المجتمعات، وتنخرط في الزمن التكنولوجي من منطق الشراكة التي تقوم على الانتقال السريع والانفتاح المستمر وليس فقط على الاستهلاك. ويناقش الكتاب إشكالا دقيقا يتمثل في رصد تمثيلات الخطاب الاجتماعي عبر التكنولوجي، إذ سعت الباحثة إلى تفكيك جملة من الخطابات من قبيل “الشعب يريد” و”خطاب المقاطعة لمنتوجات معينة” وبلورة ديمقراطية جديدة وتمثيلات حقوق الإنسان عبر الوسائط التكنولوجية وتموقع الأنا في المواقع الاجتماعية.
كما تقارب المؤلفة التدبير الإداري في علاقته بالتكنولوجيا ذلك أن الأنظمة العربية تعيش رهانا كبيرا يتأسس على ضرورة الانتقال من التدبير التقليدي إلى زمن تكنولوجي يقوم على السرعة والجودة والمعلومة والمعرفة، فهل يمكن أن تسهم أزمة كورونا في بلورة إدارة تكنولوجية بوصفها استراتيجية تنموية وليس فقط تدبيرا لمرحلة؟
إلى ذلك، يناقش الكتاب علاقة الأدب/ القراءة بالتكنولوجيا، وهنا تفيد الباحثة كرام أن الأدب الرقمي أسهم في بناء تمثلات جديدة بخصوص الكتابة والقراءة والمؤلف والقارئ، وهي محاور سعى الأدب الرقمي إلى إعادة بنائها وفق خصوصية الوسيط التكنولوجي، خصوصية من شأنها أن تعمق علاقتنا بالشكل الورقي، ذلك أن تجارب أدبية كثيرة شيدت نصوصها التجريبية عبر الاعتماد على أشكال جمالية لا يمكن فهمها ومقاربتها إلا بالاعتماد على المعرفة الرقمية.
ويناقش الكتاب أيضا علاقة الإعلام والتنمية بالتكنولوجيا: الإعلام الرقمي والمواقع الاجتماعية يواجهان تحديات التدبير، حيث تتأسس الرقمية على تدفق المعلومة وسيولتها، إذ صارت متاحة بوفرة، وتثير الوفرة الانتقال من الاستهلاك إلى الإنتاج، ولن يتحقق ذلك (وفقا للمؤلفة) إلا عبر سن سياسات تعليمية وسياسية واقتصادية واجتماعية هدفها تأهيل الفرد كي يسهم في صناعة هذه التحولات.
وتجد المؤلفة أن سيولة المعلومة يثير إشكال الملكية، ذلك أن المعلومة غير مقيدة بقوانين وأخلاقيات تنظمها، وبالتالي باتت ملكية المعلومة مشاعة وغير منتهية. ومن شأن تدبير الحقل التكنولوجي تدبيرا حكيما أن يتحول إلى رافعة للتنمية الاقتصادية.
وتجد كرام أن محنة كورونا أسهمت في خلق بيئة افتراضية، إذ أجبر الوباء الشعوب على الاستعانة بالتكنولوجيا بوصفها وسيطا دفاعيا وحمائيا سهل إدارة الأعمال والتعليم والسياسة والثقافة.
وتختم المؤلفة كتابها بمحور يناقش شروط تموقع الأنا في المستقبل، عبر رصد التحديات الجوهرية التي طرحتها كورونا في تعاملنا مع التكنولوجيا كما تناقش التفاعل المنشود ما بين الإنسانيات والرقميات.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة