المسار السياسي العجيب الذي سلكه رئيس الوزراء نوري المالكي خارج الإطر الدستورية يشكل سابقة تاريخية كبرى بسجل تاريخ العراق القديم والحديث، وله معطياته المستقبلية الأكيدة التي تؤكد بشكل غير قابل للشك بوعي العراق ورجال ساسته المحترفين بالمسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقهم.
تاريخ العراق السياسي الحديث منذ نشوء الدولة العراقية عام 1921 بُني على القتل والتصفيات الدموية المفرطة بالقسوة والشراسة وانعدام الضمير الوطني والاجتماعي بأبسط تقديراته الأخلاقية. في ثورة 14 تموز 1958 تم سحل جثة رئيس الوزراء نوري السعيد بشوارع بغداد وقطعوها إربا إربا. وكذلك فعلو بالوصي عبد الإله، ومن ثم تصفية الملك الصغير فيصل الثاني هو وأفراد عائلته من قبل متهورين من أفراد الجيش المدسوسين من قبل المخابرات البريطانية آنذاك. لم يسلم أي زعيم أو قائد سياسي عراقي من هذا المصير المحتوم الذي تقوده أجهزة مخابرات استعمارية دولية وإقليمية معروفة.
الدماء لا تخلف سوى المزيد من الدماء، والأحقاد لا تخلف سوى المزيد من الأحقاد. تلك هي القوانين التي تحكم البشر في كل زمان ومكان. هذا القانون الحتمي أدركه السيد نوري المالكي كأول سياسي عراقي على رأس الحكم دستوريا وشعبيا وقانونيا لا يختلف عليه أي من رجال الدستور والقانون. تلك الواقعة التاريخية حسب ما وصفتها أعلى المؤسسات الدولية الرفيعة من قبل مجلس الأمن والأمم المتحدة عبر رئيسها السيد بان كي مون، والاتحاد الأوروبي والمرجعية الدينية بالنجف الأشرف، هي خطوة تاريخية بكل جدارة يخطوها العراق الجديد عبر رجل سياسي أتيحت له بنود الدستور والقانون أن يستمر بالحكم وهو الحائز على غالبية الأصوات من الناخبين العراقيين الذين أكد على الوفاء لهم وعدم التخلي عنهم بالدفاع عن العراق ضمن الضوابط الشرعية وعدم استخدام القوة وزج الجيش والقوات المسلحة بهذا الأتون الذي كنا نتوقع حدوثه المطلق كمواطنين عراقيين وجمهور واسع.
تلك الخطوة الجريئة التي وصُفت بالتاريخية التي اتخذها السيد نوري المالكي أنقذت العراق والعراقيين من بحار من الدماء المجانية. لم يُعرف عن السيد نوري المالكي الجبن والخذلان طوال سنوات الحكم الماضية. ولا نقول أنه لم يكن مقصرا في السيطرة على إدارة مرافق الدولة بالشكل الكامل في خضّم هذه الدوامة من المعارضة التي شملت اليمين الديني والطائفي المتخلف. تنحى الرجل كما يترجل الفارس من صهوة جواده معززا مكرما، وسوف يحفظ له التاريخ العراقي كونه أول رئيس عراقي يتنحى عن منصبه الدستوري الشرعي وناخبيه مجدا للعراق وحقنا للدماء. لنتطلع إلى مستقبل العراق بعد المالكي..
علي عبد العال