يشتهر الجمهور العراقي بإنه جمهور حماسي ويبلغ درجات قصوى من الحماس تصل إلى الإنفلات المدمر وسيطرة الغوغاء والدهماء على كل ما يمكن الحصول عليه من مكاسب غير شرعية. بعض الفئات الشاذة والمتخلفة من المجتمع العراقي التي لم تتلق التعليم ولا المفاهيم الأخلاقية والقانونية بسبب غياب الدولة ومؤسساتها للعب الدور الاجتماعي الضروري والمسؤول، جميع هذه العناصر تصب في رافد الفقر الاقتصادي والأخلاقي ومن ثم الرافد الاجتماعي، بحيث تغدو الجريمة عملية مسوغة طالما تغيب القوانين وتغيب الدولة.
تفضّل المجتمعات المتحضرة في جميع دول العالم وجود القوانين التي تحترم وتحفظ حقوقها ضد الخارجين عن القانون. وكانت الأديان تلعب هذا الدور بوضع المحرمات والعقوبات للمارقين عن القانون وحرية المجتمع وصيانته. بيد أنه بالمقابل توجد عناصر تعمل بالضد من هذه النواميس الطبيعية، وهي فئات شاذة تفضّل الخروج عن القانون بدل الخضوع والتسليم بأهميته الاجتماعية. وهم من المجرمين وشذّاذ الآفاق الموجودين في جميع الدول وجميع المجتمعات المتحضرة منها والمتخلفة. لذلك وُجدتْ السجون وقوانين العقوبات التي تصل إلى الإعدام بعض الأحيان.
يحتار العراقيون من الشاذين، وهم مرتاحون الضمير لهذه المعادلة المؤلمة طالما لا تتوفر لهم بدائل حقيقية وجذرية أخرى بدل وسائل المخدرات بالأسواق. المجتمع العراقي مجتمع ممزق ومتخلف يتحول تدريجيا إلى قطعان من الميليشيات المسلحة الخارجة عن القانون وعن الدولة وعن الأخلاق وعن الأصول الاجتماعية والشرائع الدينية والأعراف العشائرية .
المجتمع العراقي بفئات الشباب الضائع والإسر التي لا تمتلك مصادر العيش الكريم، يتدهور نحو التخلف بسرعة مذهلة ومخيفة بحيث يقترب اليوم من المجتمعات الشديدة التخلف من القبائل الهمجية بأفريقيا الصومالية وحركة الشباب وبوكو حرام وبنغلادش وقندهار وبيشاور في أفغانستان وباكستان.
تستمر عمليات الخطف والسطو والنهب بشكل مريع بسبب الأبواب المغلقة والنوافذ الموصدة بوجوه مثل أؤلئك الشباب من الذين ينخرطون بالإجرام رويدا رويدا تحت ظروف اجتماعية واقتصادية قاهرة. من الغريب جدا ان يوجد بالعراق الغني بالثروات مثل هذه القطعان البشرية من المجرمين الصغار. هذا يعود حسب الدراسات العلمية إلى إنعدام الدولة بجميع مرافقها التعليمية والاقتصادية والاجتماعية. ما يحدث بالعراق اليوم من جرائم وقتل مجاني وسلب ونهب لممتلكات الآخرين يعود لغياب مؤسسات الدولة من تعليم ولجان علمية مسؤولة بمكافحة الجريمة ليس فقط عن طريق السجون التي تؤدي غالبا إلى نتائج عكسية يزداد فيها المجرمون خبرة وحنكة بدل التهذيب والتوبة الاجتماعية. يعودون للحياة من جديد كونهم “أبطالا مجرمين” يتحدون القانون بكفائة أعلى وبخبرة تجعل من السجون مدرسة لتصنيع المجرمين المحترفين بدل ترشيدهم علميا.