بعيدا عن السياسة؛ أود الحديث بالأخلاق العامة. أخلاق الشعب العراقي العفوية التي تمتد جذورها التاريخية عبر آلالف السنين وآلالف الأزمات وآلاف المطبات الثقافية والحضارية والشعرية والأدبية والفقهية. أخلاق الشعب العريقة الجذور بأرض العراق، أرض وادي الرافدين العظيمة. شعوب عريقة وأديان عريقة وفنون عظيمة وأجيال من المبدعين تتبعهم أجيال لا يمكن قهرها وإرغامها على تغيير طبائعها الإنسانية المتجذرة في أصولها التاريخية عبر الأزمنة القديمة والحديثة، لإنها جذور راسخة وعريقة تنتج الثمرات الطيبة والأفكار العظيمة من الطين السخي وصولا للقمم العالية.
أكتب اليوم عن معاناة أمي الحبيبة التي بلغت الثمانين من العمر وهي تسعى على كرسي متحرك يدفعه الأبناء والأحفاد للإدلاء بصوتها الانتخابي الحر. أمي العلوية زهرة السيد زكي السيد هاشم السيد طالب الموسوي، خدمة الحضرة الحسينية الشريفة بكربلاء وسدنتها لمئات السنين. أبت هذه المرأة الجلوس على مقعد المرض وأصّرت على الذهاب لصناديق الاقتراع واختارت السيد نوري المالكي، مثلها مثل ملايين من العراقيين الذين أدلوا بأصواتهم في هذه العملية الانتخابية الحرة. ثم فاز المالكي بنسبة عالية من أصوات الناخبين العراقيين شئنا ذلك أم أبينا. بغض النظر عن تقييمنا السياسي لأداء السيد نوري المالكي ومقدار نجاحاته ومقدار إخفاقاته على الصعيد العملي، لكنه فاز بطريقة شرعية عبر الانتخابات التي أشادت بنزاهتتها هيئة المراقبين من الأمم المتحدة وبعض الدول الأوروبية ومن ثم جميع اللجان القانونية المشرفة على مسار العملية الانتخابية. لكن ومع ذلك يتم استبعاد الفائز عن حقوقه الدستورية المنصوص عليها ببنود الدستور لكي تنقلب الأمور رأسا على عقب. تمرضت أمي وأصيبت بالخيبة وهي تكتب وصيتها الحزينة: «يمة علي لا تثق بالانتخابات بالعراق بعد اليوم». وقالت الحبيبة الطاهرة «لا تخبروا علي بموتي إذا توفيت». وأملت التالي»لم أحب زعيم عراقي سوى الزعيم عبد الكريم قاسم. ولم أحب إيران منذ ولدت حتى الآن سوى مرقد الأمام الرضا الشريف. أوصيكم بالعراق وبالروح العراقية العربية، نحن نسل الرسول العربي محمد ص».
ماذا نقول عن صوت أمي الذي ذهب هدرا وهي تتجشم عناء مغادرة حجرتها وأدعيتها وصلاتها المقدسة الأوقات؟ هل نقول للساسة العراقيين ومن يقف خلفهم بالكواليس الذين لم يبد منهم أي خجل بهدر أصوات الناخبين العراقيين الذين صوتوا للمالكي وأفسدوا العملية الديمقراطية برمتها أمام الشعب العراقي الذي رمُيت اصواتهم في حاويات المزبلة الديمقراطية الحديثة. لا توجد ثقة للناخبين العراقيين بممارسة التصويت بعد هدر أصواتهم. إنهم أقرب للديكتاتورية العادلة منهم للديمقراطية الفاشلة. أقسم الكثير من المعارف عدم المشاركة بأي انتخابات قادمة، تلك أولى النتائج السلبية للغش والخداع السياسي الفج.