الباب العالي الى محمد خضير

علي لفتة سعيد

لم يكن الباب الواسع الذي يعلو الرصيف ببضع سنتمترات كافيا كي يحضن الزمن الذي سيتم تسجيله عبر صورةٍ فوتوغرافيةٍ مسجّلة من جهاز موبايل حديث، يحمله صديقي الذي طرق الباب.. كانت عينان قد توقّفتا تماما على الوجه الذي سيطلّ علينا نحن الأصدقاء الخمسة، وأن الزمن سيذهب بنا بعيدا وأنا أتفرس في ذاكرتي، ملامح لم تذهب بعيدا في عمق الزمن أو بئر النسيان.. كان النهار يسير الى ما قبل ثلثه الأخير، وكانت ثمة ريحٌ منعشةٌ باردةٌ من نسمات شتاء شهر كانون الأول.. التفت الصديق الذي طرق الباب. وقال جئنا في الوقت المحدّد بالضبط.. الرابعة عصرا.. وهذه الخطوات أسمعها.

الآن أبحلق في الصورة التي وضعتها في الحاسبة بشاشتها الزرقاء، وهي تمنح ملامحها بهجة التلاقي، وأعيد الكرّة كي أتفرّس في الابتسامة التي احتوتني، وأنا أسمع قوله مثل أغنيةٍ عائمةٍ على أمواج من الهدوء. وهو يقول أهلا بك أيها المبدع.. كانت الأماكن تتوهّج من حولي، وتحوّل البيت الى ملمحٍ من نظراتٍ غنيةٍ بالبلابل، فيما راح النخيل يعزف ما تخلّل من النوافذ من أغانٍ جنوبية، ترقص في داخلي وتحوّلني الى شخصٍ مبتهجٍ بشيء عزيز.

كانت الصورة التي أمامي توضّح نظرات الأصدقاء الذين رافقوني، وهي تحمل الكثير من حوارات الأنهر, فيما كان صمتي يمثل صراخًا داخليًا يريد الابتهاج بالحطب، الذي اقتطعه من غابة الفرح كي أشعل مدفئة الفرح .

لحظتها وأنا أوزّع الأوراق على بقاياي الهائجة سمعت صوتًا يأتي من جدران غرفة الاستقبال.. وحدك من ملأ جرارك بالماء، ورحت وحدك تسبح في أنهر المدينة.. لكن الذي لم يخرج في الصورة ولم أسمع ذاكرتي، أنني كنت أطوّق عنقي بحركة سفنٍ تجلب لي بضائع عديدة، كانت هدايا من العهد العصملي، مؤرّخة من العهد الانكليزي، بتوقيع الملك، قبل أن تتفجّر به الأرض، ويسحل كآخر الملوك في الشوارع وتضيع الهدية.. الصورة وحدها كشفت لي أن التفاصيل التي ذكرتها وقد كانت مستلّة من الهدايا الموضوعة في كتابٍ أمسكه بيدي، مثل لعبةٍ غنيةٍ، غلافها من ذهبٍ وياقوتٍ وزمرد، قد توضّحت معالمها على كامل الصورة، كونها دفعتني لأطرق الباب من جديد، وأصافح الرجل الذي بيّن لي إن ما لم تستطع الكاميرا من توثيقه، وكانت آخر الحروف لا تشبه آخر الملوك، وما يدوّن سيكون أكثر اتّساعًا من عدسة جهاز الموبايل. وأن ما قيل لم يتم التطرّق إليه، رغم أن الصورة لم تزل تحادثني حتى اللحظة، وكأنه يدوّن كلمات لتكون في آخر المطاف المكان العالي في غلاف الرواية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة