جمال جصاني*
بوصفها ترجمة عن المصطلح اللاتيني القديم والمكون من شطرين (حكم الشعب) يفهم منها (الديمقراطية) بانها تمثل حكم الأكثرية. على الرغم من ان أنموذجها الأول في أثينا كان محصوراً لتمثيل النخبة من النبلاء وارستقراطية اليونان آنذاك. لقد عرفت هذه العبارة الأكثر رواجاً في عالم اليوم (الديمقراطية) تحولات وتغيرات لا حدود لها، خاصة بعد حزمة الثورات السياسية والعلمية والقيمية في العصر الحديث. وهي اليوم ليست كما كانت عليه قبل الحرب العالمية الثانية، حيث تحولت الصناديق في كل من المانيا وايطاليا الى آلية ووسيلة للنازية والفاشية للوصول الى السلطة ومن ثم الاجهاز على النظام الديمقراطي نفسه، حيث دفع شعبي البلدين والعالم بأسره الى اتون حروب ومآسٍ لم تعرفها المجتمعات البشرية من قبل. بعد تلك التجربة المريرة التي هددت أمن استقرار العالم، ولدت الوثيقة الأكثر أهمية وهي الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والتي ارتقت بالعلاقات بين بني البشر الى مستويات تليق بتلك التضحيات الهائلة والمخاطر الجسيمة التي واجهات الشعوب والامم من شتى البلدان.
اذن الديمقراطية ومنذ أكثر من نصف قرن لم تعد بمنزلة جائزة أو غنيمة تتلقفها «الأكثرية» فقط لكونها حصدت أكثر عدد من أوراق الاقتراع التي استقرت في جوف الصناديق. بل هي اليوم تكتنز شحنات ومضامين حضارية، وتشكل جزءاً من منظومة قيم متكاملة غايتها الاساس الارتقاء بمستوى حياة وكرامة عيال الله من دون أي تمييز عرقي أو ديني أو اجتماعي. ولذلك لم يعد بوسع الأحزاب والحركات الفاشية أو العنصرية وغير ذلك من التيارات التي تميز بين البشر على اساس المنحدرات والعقائد والاشكال، المشاركة في الحياة السياسية. لقد تم تقنين اللعبة الديمقراطية على وفق القواعد والمعايير التي لا تتنافر وتلك المنظومة المناصرة للحريات العامة وحقوق الانسان. ومن هنا يمكننا ادراك علل هذا النحس المتواصل الذي يرافق مضاربنا في هذا المجال (الديمقراطية) والتي يختزلها البعض بعبارته الشهيرة (غزوة الصناديق) حيث يتم تحشيد الجموع والاتباع للتصويت لا الى البرامج والمشاريع السياسية والاجتماعية وغير ذلك مما عرفته الامم الرائدة في هذا الميدان، بل للتصويت للدين والعرق والمذهب و… وبالتالي نحصد ما يواجهنا اليوم من نزاعات وثارات عفا عليها الزمن منذ أمد بعيد، ولا تمت بصلة لآخر ما توصلت اليه سلالات بني آدم من وسائل لفك نزاعاتنا واشتباكاتنا العضال.