علي صابر محمد*
هذه هي الجموع الغفيرة التي خرجت الى صناديق الاقتراع في 30/4/2014 لتختار من يمثلها في البرلمان متحدية كل قوى الظلام والارهاب ، بالأصابع البنفسجية والارادة الحديدية ستطوي صفحة الماضي الأليم المليء بالنزاعات وصراع الكتل من أجل الاستحواذ على القوة ومناطق النفوذ وبكل ما رافقها من خيبات أمل وانحراف وخراب وتخلف وفساد وتفتح صفحة مشرقة من البناء والاعمار وتعديل بوصلة المسيرة بأتجاه الاهداف السامية لمجتمعنا في الحياة الحرة الكريمة ، الشعب الذي وقف بوجه المسلحين من الداعشيين ومن يناصرهم بصدور عارية ليرسم مستقبله ولينظر الى غده بعين يملؤها الأمل في ان يعيش العراق بأمن وسلام وتتفتح براعم الخير والعطاء ، ويعم الرفاه والازدهار على ربوع بلادنا وترفرف راية الطمأنينة في سماء وادي الرافدين ، هذا هو عراق الحضارة والمجد والتعايش والمحبة والأخاء ، انها انعطافة تأريخية وملحمة جديدة يسطرها شعبنا في اجتيازه الامتحان العسير بين حبه للحياة وبين الرضوخ لمشيئة قوى الظلام ، انه المهرجان الانتخابي البهيج الذي ينعش جسد الحركة السياسية ويبعث فيها النشاط والكل يطمح للتغيير وكل بمنظوره لمفهوم التغيير ، صور جميلة ورائعة تثير المشاعر وتختلط عندها الدموع بزغاريد الفرح في محطات الانتخاب , نساء ورجال ، شباب وشابات وشيوخ وعجائز بزينتهم وعطر عرق جبينهم يصطفون في طوابير منظمة واطفال يتسابقون مع ذويهم الى هذا العرس الجميل تحرسهم عيون القوات المسلحة ورجال الامن ، أبناء العراق الاشاوس ، وكل يحلم بأن يكون صوته فاعلا ومؤثراً في هذا الجو الملبد المشحون بالحيطة والحذر وتلفه المخاوف من غدر المجرمين والارهابيين .
أعلنت المفوضية المستقلة للانتخابات عن نسبة المشاركة المفرحة للعراقيين في الداخل والخارج والتي بلغت 60% من الناخبين الذين لهم حق الاقتراع و70% من الذين حصلوا على البطاقات الالكترونية وهذه تعد مشاركة كبيرة بالمعايير الدولية وأسقطت الكثير من التكهنات الخاطئة التي أطلقها المشككون وترجمتها تفاعل الجماهير مع المناخ السياسي والاستجابة لمتطلبات الديمقراطية التي يطمح الجميع لترسيخ مفاهيمها في العراق الجديد ،
وهذه النجاحات تحسب لصالح المفوضية والحكومة والقوات المسلحة وتمنح المفوضية مصداقية في عملها برغم وجود بعض الخروقات والاخفاقات الطفيفة التي رافقت عملية الاقتراع والتي لا ترقى الى مستوى الطعن بشرعية الانتخابات التي راقبتها المنظمات الدولية وجامعة الدول العربية وممثلو القوائم في جميع مراكز ومحطات الاقتراع , واذا كانت النتائج الاولية تشير بعدم حصول أية قائمة على الاصوات الكثيرة التي تؤهلها لتشكيل الحكومة بشكل مريح فان التسريبات تفصح بما لايقبل الشك بالحضور الواضح للتحالف المدني وتشظي أصوات الناخبين بين القوائم المتنافسة بطريقة تعقد مشهد التحالفات في المرحلة المقبلة،
وحصول قوائم السلطة والكتل المتنفذة على اصوات متقاربة مؤشر جيد على شفافية الانتخابات ، ويعيدنا الى فترة الاصطفافات الطائفية والقومية وعودة الصفقات والمساومات بين الكتل مجدداً وتوزيع المناصب على وفق عدد مقاعدها في البرلمان الجديد وسننتظر مخاضاً عسيراً لولادة حكومة جديدة وستستنزف وقتا ليس قصيرا من عمر العراقيين ، وفي نظرة سريعة لهذه النتائج نلاحظ انها جاءت حسب ألوان الطيف الاجتماعي مع تنامي حظوظ التيار المدني والديمقراطي بشكل مقبول نسبيا ، وهذا هو قرار الشعب وارادته وما علينا الا احترام هذا القرار وهذه الارادة والتعاطي معها بانها حقيقة لا يمكن القفز عليها واذا كانت النتائج غير مرضية للبعض فعليهم التعامل معها بروح رياضية وتقبل ذلك برحابة صدر فهذه هي الديمقراطية وهذه ثمارها والبراعة في القطف لمن يجيد أستعمال أدواتها وتوظيفها لصالح برنامجه ، فقد ورثنا تركة ثقيلة من التجهيل وتغييب للفكر والوعي والافقار وعلى مدى عقود حكم الدكتاتورية وبات العراق محكوماً بمفاهيم عاطفية وغريزية وضيقة ولن تزال آثارها بيوم وليلة سيما وان ماكنة التجهيل من قبل بعض القوى ما زالت مستمرة ويراد لبلدنا ان يتخبط في مستنقع الجهل والتخلف وان يكوى بسعير الفوضى والاضطراب وجحيم الاقتتال والفرقة وان اقتضى الامر من المثقفين وطليعة المجتمع العودة بخطوة الى الوراء للسير في مستوى وعي الناس نفسه وثقافتهم فلا يعد ذلك تراجعاً وانما استعدادا للجولات المقبلة للتقدم بخطوتين الى امام جنباً الى جنب مع جموع الشعب فواجب عليهم التواجد حيثما يوجد الناس للشعور بمعاناتهم ومعرفة همومهم وعيش احلامهم وفهم لغتهم وتنويرهم وتعريفهم بحقوقهم
أيها السادة زعماء الكتل السياسية لقد ملئت قلوبنا قيحاً وان الفرصة أمامكم متاحة لتصحيح أخطائكم وفشلكم في قيادة البلاد نحو بر الامان ، لقد آن الاوان لأعادة ترميم البيت العراقي ولملمة الفوضى وتطبيب الجراح ومد جسور التواصل بين المكونات وممثليها وهذه الانتخابات التشريعية ونتائجها دليل قاطع بانه لا يمكن لأية جهة وحدها ان تحكم العراق وعلى الجميع الاستسلام لهذه الحقيقة وزرع بذور الثقة بين ممثلي المكونات ونزع ثوب التبعية والتأثر بالأجندات الخارجية التي لا تريد خيراً للعراق والالتفات الى ابناء شعبنا وتوحيد صفوفه والنظر الى مصالحه فالثروة الموجودة فيه تكفي للجميع بأن يعيش حياة الرخاء والازدهار ، فهل يمكن مد يد المصالحة لجميع المكونات ونفكر بالمستقبل ونرمي خلف ظهورنا مرحلة الصراعات وانكساراتها ؟ فالعراق يعيش اليوم انعطافة حادة في مسيرته وتحدد ملامح مستقبله في الخطوات التي تلي اعلان النتائج الانتخابية فان سارت النوايا باتجاه الانفتاح نحو شركاء الوطن وتنظيف القلوب من تبعات الحقد والغل الذي غرس في الفترة المظلمة والتقريب لوجهات النظر بما يحقق الاستقرار فان التعافي سيكون سريعا وسينهض العراق من جديد ويأخذ دوره الريادي في المنطقة وان ركبت الاطراف المتصدرة للمشهد رؤوسها وتزمتت بمواقفها المتشنجة وتسابقت نحو مغانمها فاننا سائرون نحو المزيد من اراقة الدماء وصولا الى تقسيم البلاد بالقوة وتخريب الحرث و الممتلكات وإضاعة الثروات وتدمير البلاد وهذا ما تسعى اليه اجندات الجوار بأن لا يبقى في العراق حجر على حجر.
*كاتب عراقي