أحمد فضل شبلول
على الرغم من أن نجيب محفوظ لم يتناول – أو يتحدث عن – القضية الفلسطينية في أعماله الروائية حديثا مباشرا، فليس معنى ذلك أنه يتخلى عنها أو لم يناصرها، وقد تحدث عن الحق الفلسطيني في الكثير من حواراته، بل إن كلمته – التي ألقاها بالنيابة عنه محمد سلماوي – في حفل توزيع جائزة نوبل 1988، بها إشارات واضحة لهذا الحق حيث قال:
“في الضفة وغزة أقوام ضائعون رغم أنهم يعيشون فوق أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم وأجداد أجدادهم، هبوا يطالبون بأول مطلب حققه الإنسان البدائى وهو أن يكون لهم موضع مناسب يعترف لهم به، فكان جزاء هبتهم الباسلة النبيلة – رجالاً ونساءً وشبابًا وأطفالاً – تكسيرا للعظام وقتلا بالرصاص وهدما للمنازل وتعذيبًا في السجون والمعتقلات، ومن حولهم مائة وخمسون مليونا من العرب يتابعون ما يحدث بغضب وأسى، مما يهدد المنطقة بكارثة إن لم تتداركها حكمة الراغبين فى السلام الشامل العادل”.
وهو دائما يعتز بما قاله الشاعر محمود درويش: “نجيب محفوظ نقطة إجماع عربية”.
يسأله أحمد محمد عطية (مجلة الآداب – بيروت – يناير 1970): ألا ترى أنك مسؤول كروائي قامت رواياته بمسح اجتماعي وسياسي لحياتنا، عن عدم انعكاس قضية الصراع العربي الإسرائيلي في رواياتك، مع أنها قضية خطيرة ماسة بوجود الإنسان العربي في كل مكان؟
يجيب محفوظ: الحقيقة أن دخول الكاتب العربي على المسألة الصهيونية ممكن أن يكون من أكثر من باب. يوجد باب مباشر، والحقيقة أن هذا لا يتأتى إلا لكاتب خاض التجربة أو اكتوى بنارها عن قرب مثال غسان كنفاني. لكن الصراع بيننا وبين إسرائيل ليس مسألة احتلال أراض أو حرب أو لاجئين فحسب، فهو صراع حضاري مصيري، وفي هذا المنطلق فكل ما يكتب من إيجابيات أو سلبيات العالم العربي يدخل في القضية من الباب الآخر، وهو الباب غير المباشر. فعندما تهاجم أي سلبية فأنت تعد العربي للحياة والصراع ضد العدو. وأنا ألجأ إلى معالجة القضية على مستوى التجريد كما فعلت في “تحت المظلة”. أما المعالجة الواقعية فهي صعبة لأننا لا نعرف الواقع معرفة تامة.
ويسأله جهاد فاضل (مجلة الحوادث – بيروت – 4 نوفمير 1988): لماذا لم يكتب قبل اليوم رواية عن فلسطين، فيجيب: الحقيقة أن الفن الروائي لا يستطيع أن يكتب خارج دائرة تجربته، إنه ليس كالشعر، الشعر مجرد، إذ يمكنك أن تكتب قصيدة عن أي “حاجة” ما دمت تعبر عن عاطفتك الخاصة، لكن عندما تأتي لكتابة رواية، إذا كنت لا تعرف “حاجات” في حاشية الفن وليس في صميمه، فإنك لا تستطيع أن تكتب هذه الرواية؛ الشارع، الإنسان، اللباس، الغذاء، العلاقات اليومية، تجسد الرواية. أما أن يكتب الروائي عن بلد لم يره، فأمر مستحيل. يمكن أن أكتب عن بلد خيالي، عندها لن يحاسبني أحد، لكن لو كتبت عن فلسطين “ح تطلع مصر مش فلسطين”. كل العرب الذين كتبوا عن بلاد خارج بلادهم كانوا سيّاحين. الربيعي له رواية عن جميع البلاد العربية لأنه “فات” فيها. همنغواي كتب عن غير أميركا لأنه زارها وعرفها، وهكذا.
ويضيف: لكن أنا أكتب عن فلسطين في ناحية أخرى، وذلك عندما أكتب عن العدل والظلم. فجوهر القضية الفلسطينية هو صراع بين عدل وظلم.
ويعقب جهاد فاضل قائلا: ولكنكم في الماضي عندما صرّحتم حول التفاهم بين العرب والإسرائيليين ظن الكثيرون أن لكم “موقفا” ما، موقفا آخر. فيرد عليه محفوظ قائلا: أبدًا. كان في اعتباري أساس وجهة نظر العرب، لقد حييت الثورة الفلسطينية مرارا، ويخطئ من يظن أن لي موقفا آخر من القضية الفلسطينية.
ويسأله سمير طنطاوي (جريدة الشعب – القاهرة – 1 نوفمبر 1988) عن موقفه من الانتفاضة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، فيقول إن “الانتفاضة الفلسطينية ما هي إلا ثورة وأنا أؤيدها دون قيد أو شرط وأن الإسرائيليين الأحرار ينظرون للثورة نظرة إنسانية ويدعون للسلام”.
أما عن دور العرب ودعمهم لهذه الانتفاضة، فقال محفوظ إنه يجب عليهم دعمها بكل الطرق والسبل حتى تحقق هدفها النهائي وهو الدولة الفلسطينية المستقلة.
وعن موقفه من أشكال العنصرية التي تمارسها إسرائيل، قال إنه ضد ممارسات إسرائيل ويجب مقاومتها والتصدي لها.