بغداد ــــ الصباح الجديد:
الثقافة، مثلها مثل باقي القطاعات الأخرى، لم تسلم من كورونا، من جميع النواحي، سواء تلك المتعلقة بالمثقف، أو بالثقافة نفسها. فمن جانب، أخذت حيزا واسعا من اهتمامات المثقفين بالكتابة في الصحف أو في وسائل التواصل، وتركت آثارها واضحة على المثقفين والثقافة، لدرجة أنها أصبحت الشغل الشاغل لهم.
الصباح الجديد، استطلعت آراء عدد من المثقفين والكتاب، لبيان رأيهم وتصوراتهم عن زمن ما بعد كورونا. فلو قدر وانتهى الوباء، وعادت الحياة الى طبيعتها كما في السابق، هل ستعود الثقافة الى سابق عهدها؟ أم ستكون الظروف مختلفة، من عدد من النواحي؟
عبد الأمير المجر/ كاتب
الثقافة هي حصيلة التراكم الكمي والنوعي، للممارسات والنشاطات الانسانية عبر مختلف الازمنة، لاسيما الاحداث الكبرى التي تستقر في الذاكرة الجمعية، وهذه تلعب دورا كبيرا في صياغة وتوجيه تفكير الناس وتؤثر في ممارساتهم التي تغدو لاحقا جزءا من هذا التراكم، وتصبح بالضرورة جزءا من ثقافتهم.
الحروب والاوبئة والاحداث السياسية والاجتماعية وغيرها، كلها اسهمت في صناعة مزاجنا، بوعي منا او من دون وعي .. كورونا، وباء اجتاح العالم على حين غرة، وقزّم الانسان واهان كبرياءه، والاهم انه ملأه خوفا على حياته، ولايمكن لهذه الواقعة العالمية ان تمر مرور الكرام، لاسيما على المبدعين ممن ينقبون في اعماق النفس البشرية، وكيفية تعاملها مع الازمات. ثقافيا، ستؤثر هذه المرحلة في طبيعة تفكير الكثيرين ممن ينظّرون للسياسة او علم الاجتماع، وسيعاد النظر، ثقافيا، بالنظريات السياسية والثقافية التي تغذيها، بعد تداعيات كورونا ولعلنا شهدنا ردود الفعل الآنية عند بعض الشعوب او الدول، بعضها تجاه البعض الاخر . ابداعيا، ستكون هناك اعمال ادبية وفنية مختلفة، حاضرة في مستقبل العالم، وحافلة بما عبأته هذه المرحلة المرعبة في دواخلنا وذاكرتنا ايضا، بعد ان يستفرغها المبدع بطريقته الخاصة .. لن يكون العالم مختلفا، لكن سيكون حتما هناك وشم جديد يضاف الى الاوشام التاريخية التي طبعت النتاج العالمي، كالحروب والثورات. وسيتجلى الوجدان بمئات الالوف من الآهات والحسرات والدموع التي سيكشف عنها الابداع لاحقا، من خلال رصد هذه اللحظة التاريخية الهامة من حياة البشر.
عبد الأمير المجر
جبار وناس/ كاتب وشاعر
لا تعدو كورونا عن كونها أحد المحطات التي تشهد لها البشرية جمعاء بأنها ذلك الامتحان الكبير الذي سيلزم المجتمعات بان تتدبر أمورها حيال الخراب والدمار وما تخلفه كورونا من أثار ستشمل الارواح البشرية فضلا عن الانهاك المادي والروحي للناس جميعا. وحين نتمعن بتاريخ الكوارث والمحن التي حلت بين الناس على مر الازمان فسنجد أن حالها حال الكوارث السالفة وما تركته من أثار مدمرة.
وتبدو كورونا وفعلها المدمر فرصةً سانحةً لأي مجتمع أن يعد العدة ويتسلح بعنونات الوعي الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي وبالطبع سيكون الفرش الثقافي هو المعيار الذي ستكون كل التدابير المحتملة فوقه بوعي وتبصر وبالطبع أن يسبق كل هذه التدابير ايمان عميق بفعل العامل الثقافي ومقدار أثره المحتمل حاضرا ومستقبلا ذلك أن المعيار الذي ستكون عنده كل الخطوات هو ذلك الايمان العميق بأثر الثقافة وسطوتها في مفاصل المجتمع وبالعودة الى السؤال المطرح عن اثر الثقافة وشكلها ودورها ما بعد كورونا. نرى أن كورونا ستمر كما المحن التي مر وسيمر بها المجتمع العراقي بيد أن السؤال سيمكث أمامنا ناصعا عن مدى استلهام مخلفات تلك المحن ومدارات آلامها بعلاج الثقافة لتكون المعادل الذي سيكون شاخصا يعاين العلاج الشافي والذي يداري بفعله كل الاثار المترتبة من جراء تلك المحن.
ومن هنا يبدو المثقف ودوره المائز الذي يجب أن يحدد له كمساهم في خلق واستيعاب كل خبرات الحياة ماديا وروحيا وتصريف ذلك الخلق وذلك الاستيعاب الى سلوك مجتمعي يشمل بآثاره كل مفاصل الحياة في المجتمع والسؤال هنا يتجدد ليكون : من هو المثقف وهل لدينا ذلك المثقف الذي يتحلى بذاك التوصيف الذي نص بحقه اعلاه وهل هنالك من حدود واضحة ستكون مشخصة بحق الدور الذي سيقوم به ومدى الايمان ومقدار الاحترام الذي سيحظى به داخل المجتمع تحت هذه الظروف التي يمر بها المجتمع العراقي بعد التغيير الدراماتيكي بعد 2003 اذا ما علما مقدار الهوة الشاسعة من الاهمال والتجاهل وعدم التقدير من قبل السلطة السياسية التي تمسك بمقود السلطة والحكم اتجاه المثقف ودوره الحالي ؟ يبدو الامر من المرارة والحسرات الساخنة التي تحز بنياط الآمال والأمنيات حيال دور الثقافة وفعلها المطلوب في المجتمع العراقي ولكن لنا أن نعول على أن ينهض من هم يشتركون بهم الثقافة ويقوموا بدورهم المنتظر والمنطلق من الايمان أولا بجدوى فعلهم والاستمرار عليه في كل الفعاليات الساندة ومنها المنتديات والمهرجانات ومعارض الكتب والارتقاء بصناعة الكتاب واشاعة السلوك الثقافي فنيا وجماليا وفكريا في اوساط المجتمع وان لا يقتصر الامر على تنفيد مرحلي من اجل تزجية مصالح وطموحات محددة وفق نيات مسبقة.
هذا هو الدور الذي يجب أن يأخذه المثقف وفعله العضوي داخل المجتمع ماديا وروحيا ليكون علامة واضحة في التأثير الفعلي داخل المجتمع وان يتمسك بوسائل الضغط السلمي والحضاري على من يتسيد قرار السلطة في المجتمع وان يبدي احتراما واضحا وكبيرا لدور الثقافة المدنية التي ستشكل البناء المنطقي السليم في اساسيات كل مجتمع صحيح ومعافى.
جبار وناس
مهند الخيكاني/ شاعر
بدايةً لابد من إشارة الى الثقافة والمثقف بشكل وامض ، إذ أن الثقافة كمفهوم ليست حكرًا على الكتّاب والأدباء وإنما تمتد الى بقية القطاعات ، ويمكن للعارف والملِّم بأي تخصص أن يقال عنه مثقف ، والحديث يطول هنا . أما بالنسبة للنشاطات الأدبية والكتبية وشارع المتنبي ومدى تأثرها المحتمل بكورونا ، فأقول إننا ما دمنا نعيش فوضى سياسية تركت آثارها على المنظومة الاجتماعية والثقافية ، فإننا لن نشهد حراكًا بالإيجاب أو السّلب تجاه هذا المؤثر / كورونا ، ذلك أننا اعتدنا على أشكال المصائب والفجائع بشكل يومي من بعد ٢٠٠٣ و إلى اليوم ، وما أن تمضي الساعات الأولى للحادثة ، تعود الحياة على ما كانت عليه وكأن ما حدث أمر غاية في الاعتيادية ويحسب من مخاطر الحياة اليومية . ولذا أظن بأن كل شيء سيعود مثلما كان بعد انتهاء الأزمة بسلبياته وإيجابياته ، وربما نشهد محاولات لكتابة روايات تتحدث عن الكارثة ولست أشجع عليها لكونها احترقت من خلال أفلام ومسلسلات وروايات مسبّقة . أما بالنسبة للعالم الأكثر تطورا فلربما سيشهد تغييرات تتلاءم وحجم الكارثة ، لكونها تمتلك ثقافات حية ، عندما تتعرض لحادثة ؛ فإنها تتماثل للشفاء وتتعلم من التجربة وتبحث عن العلاج دائما . وبشكل عام ، ثقافة الكتاب والمعارض وبقية النشاطات ليست هي من سيتأثر ، بل الأثر الكبير يقع على الجوانب الطبية والعلمية التي عجزت عن احتواء الأزمة بما يليق بسمعة العالم المتباهي بإمكاناته التكنلوجية والتقنية والمعرفية.