صادق ناصر
الصكر
بعد الجزء الثاني الذي كان مخصصاً للفلسفة
الحديثة، انتهيت من قراءة الجزء الأول من كتاب رسل والذي تناول فيه الفلسفة
اليونانية منذ ما قبل سقراط، مروراً بالهلينية والمسيحية المبكرة، وانتهاءً
بالحركة المدرسية.
لن أتحدث عن المضمون الفلسفي للكتاب لأنني أرغب
في الإشارة إلى ” حادثةٍ” بدت لي غريبةً حين يتعلق الأمر برسل على وجه
التحديد.
هذا الفيلسوف، كما هو معروف، كان واحداً من أشهر
دعاة السلام بين الشعوب… ومواقفه على هذا الصعيد كثيرة، وهو الأمر الذي يجعلنا
نستنتج أن التراتبيات العرقية هي آخر ما يمكن أن يخطر
على ذهن رسل… الوضع طبيعي: حين تكون داعية سلام فإنه سيكون من المستبعد جداً أن
تكتب جملةً ذات إيحاءات أثنية.
ولكنه، أي
رسل، يتحدث عن شعوب الشرق بلغةٍ تفضح نوعاً من التحيز العنصري… سأذكر مثالاً
واحداً، يكتب:” لقد توصلت مصر القديمة وبابل الى بعض المعارف التي اقتبسها
الإغريق فيما بعد، ولكن لم تتمكن أي منهما من الوصول إلى علمٍ أو فلسفة، على أنه
لا جدوى من التساؤل في هذا السياق عما إذا كان ذلك راجعًا إلى افتقاد العبقرية لدى
شعوب هذه المنطقة، أم إلى أوضاع اجتماعية، لأن العاملين معاً كان لهما دورهما دون
شك”( ص٢٨).
السؤال لا
يتعلق برسل، حصراً،: حين تأتي هكذا عبارات داخل كتب الفكر والفلسفة وحتى الأدب، هل
يجب أن يتم تحويلها إلى ” قضايا” أم أنه بالإمكان أن نتعامل معها على
طريقة: دعها تمرّ طالما أن أصحابها يحرثون في أراضٍ واسعة؟.
باختصار:
الأمر يعتمد على معرفتنا بالموقف النظري العام للمفكر ووجهته الحقيقية… على سبيل
المثال: الحديث عن الشرق لدى رسل ليس هو الكلام عن الشرق ذاته لدى رينان…. مع
رينان لدينا” غل مركزي موجه ومعتنى به”، أما في كتاب رسل فهناك محاولة
تفسير أنثروبولوجية خانها التعبير اللغوي… زلة لسان… لماذا نقول ذلك!..
لأن” الفضاء العام” للكتاب يسمح بهذا الحكم….
حكاية رسل
تدعونا إلى أن نغفر للمؤلفين زلات ألسنتهم إذا كان هناك، قبل الزلات وبعدها، ما
يفتح الطريق أمام الغفران.
على المرء
أن لا يعيد إنتاج الخطأ الشهير لإدوارد سعيد: القى بكل دفاتر ماركس التقدمية في
التنور، وتحدث كثيراً وطويلاً عن ملاحظاته العابرة، والتي تقبل تفسيرين على الأقل،
عن الحكم البريطاني للهند.
زلة لسان برتراند رسل
التعليقات مغلقة