المرأة.. محطات ومعايير

في مثل هذه الايام والمناسبات وعلى رأسها العيد العالمي للمرأة (8 آذار)، يقف المجتمع الدولي ممثلا بقواه ومؤسساته الحرة، الى جانب قضايا نساء العالم وحقوقهن في مجال الكرامة والعدالة والمساواة. ومن خلال حجم ومستوى الاهتمام الجاد بهذا الملف الحيوي، نتعرف على الطبيعة الفعلية لتلك الانظمة والمؤسسات من القضايا والتحديات الاساسية التي تواجه شعوب وامم العالم أجمع. كثيرا ما يتساءل البعض عن علل ما يواجهنا من اخفاقات في شتى مجالات الحياة، من دون أن يكلفوا انفسهم بالالتفات الى ما حل بهذا الملف الحيوي (المراة) والذي يعد اليوم معيارا لازدهار الامم أو انحطاطها. لن نجافي الموضوعية والانصاف عندما نعد الموقف من تطلعات النساء العادلة والمشروعة، دليلا على جدية الموقف من المخاطر والتحديات التي تواجه العراقيين من شتى الرطانات والخطابات والازياء مثل؛ سطوة القبائل وقيم ما قبل الدولة الحديثة ومؤسساتها وتشريعاتها، والجماعات المثقلة بالنظرة الدونية للمراة.
في البلد الذي عرف تاريخه الحديث؛ ظهور أول وزيرة وقاضية في المنطقة قبل أكثر من نصف قرن، نجد ذكور ما يفترض انها مرحلة للعدالة الانتقالية، يتحسسون من امكانية وجود شخصية نسائية واحدة، في اقطاعيات السلطات العليا للبلد (رؤساء السلطات الثلاث ونوابهم). مثل هذه المواقف والذي مثلت تشكيلة حكومات ما بعد “التغيير” المتتالية تجسيدا واضحا لها؛ ولم يختلف الامر كثيرا مع كوتا النساء في الدورات البرلمانية جميعها، حيث يتم اختيارهن وفقاً لمقاسات ومتطلبات الكتل المتنفذة، والتي غالبا ما تكون متنافرة والتطلعات والحقوق الاساسية للنساء العراقيات، وما مقترح البعض منهن لمشاريع قوانين تبيح تعدد الزوجات، بوصفه حلاً سحرياً لمشاكل اجتماعية وقيمية عويصة، الا مثالاً سافراً على ذلك الاختراق الذي حققته السلطة الذكورية في مجتمع النساء، والذي فقد في العقود الاربع الاخيرة الكثير من مكانته وادواره.
في الموقف من قضايا المرأة وحقوقها العادلة والمشروعة في المساواة والحرية والعيش الكريم، يمكن التعرف على مدى جدية كل ما يطرح من دعوات وادعاءات ومشاريع للتغيير والاصلاح، وما يحصل معنا طوال أكثر من 17 عاماً على زوال النظام المباد؛ يمثل برهانا قاطعاً على ذلك، عندما انكمش دور المرأة وتقهقر رغم أنف “كوتا النساء” في السلطة التشريعية الاولى في البلد. ان استرداد المراة لمكانتها اللائقة وحقوقها الدستورية (غير المفعلة) يعد اليوم شرطاً لا يمكن تجاوزه، في عملية نهوض المجتمع ككل واسترداده لعافيته وتوازنه، وهذا ما تداركته جميع الامم والبلدان التي وصلت لسن التكليف الحضاري. عندما نتفق على حقيقة حالنا مع هذا الملف الحيوي، من دون مبالغة واستعراضات خاوية وثورويات عابرة؛ ندرك حجم ما ينتظرنا من عمل ونشاط لم نقترب من ضفافه منذ زمن طويل. الخوض في غمار هذا الملف الحيوي (وضع المرأة، مكانتها ودورها) هو رأس التحديات والبداية الفعلية لا الاستعراضية، للتحولات والزحزحات النوعية والرصينة للمجتمعات والامم، وقد شهدنا ذلك زمن الجمهورية الاولى (1958-1963) عندما استنفرت قوى التبعية والعبودية والركود كل قواها وترسانة دهاءها واجرامها، عندما تم الاقتراب من هذه الملفات الحيوية. ولن نشط بعيدا عن الموضوعية والانصاف؛ عندما نصارح انفسنا بحقيقة ما انحدرنا اليه في التعاطي مع هذا الملف الاساس في مصائر الشعوب والامم، وفيه يمكن فك طلاسم كل ما رافقنا من هزائم وهوان…

جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة