قصائد الأعماق

أديب كمال الدين

أغنية لا تكفُّ عن الرّقص


إذا كنتَ في الغابة
وأحاطتْ بكَ الكلابُ والذّئاب
من كلِّ جهة
فاحذرْ أن تنبحَ أو تعوي معها
بل انطلقْ خفيفاً كسهمٍ،
انطلقْ كأغنيةٍ لا تكفُّ عن الرّقص.

لستُ مُتيقّناً


في منتصفِ حياتي
كتبتُ قصيدةً ثُمَّ مزّقتُها.
أظنّها عن امرأةٍ علّمتني فنَّ القُبْلَة
أو فنَّ الموت
أو فنَّ الحرف.
لستُ مُتيقّناً
لأنَّ المرأةَ كانتْ
قُبْلَة حرفٍ لا يجيدُ سوى الموت
أو قُبْلَة موتٍ لا يجيدُ سوى الحرف
أو قُبْلَة حرفٍ لا يجيدُ سوى النُّقطة.
نعم، لستُ مُتيقّناً
فلقد مزّقتُ قصيدتي،
أعني حياتي،
دونَ أن أتيقّنَ – وا أسفاه – مِن أيّ شيءٍ كان.

أغنية جهنميّة


ما بينَ أن أمدَّ أصابعي إليكِ أو أقطعها
أغنية جَهنميّة.
لا طاقةَ لحنجرتي على ترديدِها
ولا لحروفي على إعلانِها.

مصنوع من الحجر


الحرفُ الذي نامَ مُطمئناً
في حضنِ القصيدة
قفزَ من نومه فزعاً ذاتَ فجر
حينَ رأى قلبَ القصيدة
مصنوعاً من الحجر.

رائحة الأزهار


سقطَ مقطعٌ من قصيدتي
فبحثتُ عنهُ طويلاً.
لم أجدهُ في قلبي ولا ذاكرتي
بل وجدتُهُ في المطرِ الذي دخلَ عليَّ من النّافذة،
مثلما دخلَ على قلبي وذاكرتي،
مُحمّلاً برائحةِ الأزهار.

شمس من الرّماد


أيّها الحُبّ
لا أريدُ أن أكتشفَ سرَّ أسطورتِكَ بعدَ الآن
فلقد كتبتُها سبعَ مَرّات
وترجمتُها سبعَ مَرّات
وعشتُها سبعَ مَرّات
دونَ أن أنالَ أيّ شيء
أو أصلَ إلى أيّ شيء،
لكنْ حينَ أطلقتُ عليها النّارَ سبعَ مَرّات
اكتشفتُ سبعةً من حروفِها المُطَلسَمة
فتحوّلتْ حياتي إلى شمسٍ من الرّماد.

نبضات


هل رأيتَ أسرابَ الطّيورِ البِيض
وهي تملأُ السّماء؟
تلكَ هي نبضات قلبي
تصعدُ
وتنزلُ
وتحلّقُ عاليا
لتتوحّدَ في خطٍّ مُستقيم
ثُمَّ في خطٍّ مُنعرجٍ أو مُستدير
ثُمَّ في خطٍّ عجيبٍ، ليسَ بخطٍّ أبدا.
قد يكون صوت موسيقى مُهيبة
أو صوت هلالٍ يبزغُ الآن
أو صوت دمعةِ طفلٍ يتيم
أو صوت نبعٍ جميل
أو صوت الدّهورِ يدفعُ بعضها بعضا
أو صوت الذي كانَ من العرش
قابَ قوسين أو أدنى.

اللغات السّبع


كلُّ شموسِ حياتي تحطّمتْ
إلّا شمسك
بقيتْ كما هي،
لأنّها كانتْ شمس حرفي.
*
نهرُ الحياةِ لا يتوقّف
ونهرُ الشِّعرِ لا يتوقّف.
وأنا في كِلا النّهرين غريق.
*
لم يعلّمني الفراتُ شيئاً
سوى حَرْق الحروف
وذرّها كلّ يومٍ
في مجراه المُوحش.
*
اللغات السّبع التي أجيدُها؛
لغة الحاء
ولهجة الباء
ودندنة النُّون
وشيطنة الشّين
وهسهسة السّين
وتأتأة الرّاء
ودموع النُّقطة!

ترقصُ عاريةً على شاطئ البحر


كانتْ ترقصُ عاريةً بعيداً على شاطئ البحر.
كانتْ تحاولُ من خلالِ عُريها الأُسطوريّ
ورقصها الخرافيّ
أن تتماهى مع البحر.
والبحر لا يقولُ لها لا ولا يقولُ نعم.
البحر سرّ لا يكشفُ نَفْسَه
إلّا للحُروفيّ الذي يخبِّئُ قصائدَه في نقطةِ الروح،
إلّا للمجنونِ الذي يخبِّئُ سكاكينَه وكوابيسَه باحترازٍ شديد،
إلّا للغريقِ الذي يصعدُ جسده نازلاً إلى الأعماق.

نُكْتَة قديمة


قالَ لي : ما الحياة؟
قلتُ له : نُكْتَةٌ قديمة!
فضحكنا وضحكنا وضحكنا حدّ البكاء.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة