تحركات الصين في الشرق الأوسط تثير مخاوف أمنية أميركية

مضيق هرمز يذكي القلق

متابعة ـ الصباح الجديد:

حذر تقرير جديد من أن الشركات الصينية تعزز وجودها بالقرب من مضيق هرمز في الشرق الأوسط، ما قد يزيد من مخاطر حدوث صدام مع الولايات المتحدة في أحد أكثر ممرات نقل النفط ازدحامًا في العالم.
واستثمرت بكين مليارات الدولارات في خطوط أنابيب النفط ومحطات التخزين على طول الخليج العربي، ما أثار مخاوف لدى مسؤولي الأمن القومي الأميركي الذين يخشون أن يمنح ذلك، بكين، تأثيرا خطيرا في نقطة الالتقاء الرئيسية، لشحنات البترول، وفق مجلة “بوليتيكو”
ويمر نحو ثلث النفط الخام المنقول في العالم، بحرا، عبر مضيق هرمز، الذي يفصل بنحو 20 ميلا فقط إيران عن شبه الجزيرة العربية.
ويشير التقرير الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) إلى أن ذلك يشمل ما يصل إلى 45 في المائة من واردات الصين من النفط.
سوابق
كتب مؤلفو المركز أن الصين استخدمت في السابق الإنفاق على خطوط الأنابيب والموانئ والمرافق التجارية الأخرى تمهيدا لبسط قواعدها العسكرية بالقرب من المواقع الاستراتيجية، لا سيما في البحر الأحمر.
لذلك، يعتبر التقرير أن بإمكان استثمارات بكين في الموانئ الإقليمية والبنية التحتية في عمان والإمارات العربية المتحدة أن توفر نقطة دخول للسفن البحرية الصينية في المضيق.
قال ماثيو فونايول، كبير الزملاء في CSIS China Power Project: “وضعت الصين الأساس لشيء قد تفعله في المستقبل” ثم تابع “لقد أنشأت الصين شبكة واسعة في المنطقة، ما يمنحها الكثير من النفوذ من وجهة نظر التخطيط العسكري”.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، تحدث لـ”بوليتيكو” شريطة عدم ذكر اسمه، إن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تراقب وجود بكين في المنطقة.
وقال المسؤول: “تركز الإدارة على مجريات بناء البنية التحتية من قبل الصينيين ووضعت استراتيجيات مع حلفائنا في مجموعة السبع”.
“بصمة بكين”
يوثق التقرير استثمارات الصين التي بلغت مليارات الدولارات على مدى العقد الماضي في مرافق الموانئ في الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، وهما دولتان تمتدان عبر المضيق مقابل المياه من إيران.
وحتى بلوغ “بصمة بكين” وفق تعبير المجلة، ميناء خليفة في الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى حصتها في محطة تخزين الوقود في ميناء الفجيرة على بعد حوالي 100 ميل إلى الشرق، وكذا الاستثمار في ميناء الدقم في سلطنة عمان، يُثير تنامي القوة الصينية، وفق المجلة.
يشير التقرير كذلك، إلى أن شركة China Harbour Engineering قد فازت بمناقصة في أكتوبر 2022 لبناء ساحة حاويات بمساحة 700 ألف متر مربع و 36 مبنى داعما في ميناء خليفة.
وهذه الشركة تابعة لمؤسسة China Communications Construction Co، وهي إحدى الشركات التي فرضت إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عقوبات عليها لدعمها جهود بكين في بناء جزر اصطناعية في بحر الصين الجنوبي، قبالة تايوان.
وقبل سنوات، وقعت شركة كوسكو العملاقة للشحن ومقرها شنغهاي اتفاقية بقيمة 738 مليون دولار لبناء محطة حاويات في نفس الميناء.
وتتضمن الصفقة بنودا تمنح الصين حقوق التصميم والبناء والإدارة الحصرية للمحطة لمدة 35 عاما.
“أسباب وجيهة”
لذلك تقول “بوليتيكو” إن هناك أسبابا وجيهة للقلق من أن الحكومة الصينية قد تستخدم علاقاتها التجارية في مضيق هرمز كأساس لتطوير موطئ قدم عسكري في المنطقة.
وكانت الصين استفادت من علاقاتها التجارية مع جيبوتي لإبرام صفقة في عام 2014 للسماح للبحريتها باستخدام ميناء الدولة الأفريقية بالقرب من مصب البحر الأحمر.
كما استخدمت بكين هذا الاتفاق لإنشاء منشأة بحرية في عام 2017 اتهمتها القيادة الأميركية في إفريقيا باستخدام ليزر من الدرجة العسكرية لمضايقة طياري المقاتلات الأميركيين الذين يهبطون في جيبوتي.
وتشعر الدول الغربية بالقلق من أن تركيز بكين على مضيق هرمز قد يمهد في النهاية الأساس للجيش الصيني لبسط وجود جديد له.
وأشارت وزارة الدفاع في تقرير إلى الكونغرس العام الماضي إلى أن هناك احتمالا في أن تكون الصين تعتبر الإمارات العربية المتحدة موقعًا لمنشآت لوجستية عسكرية.
قال جون أوكونور، الرئيس التنفيذي لشركة “جيه إيتش ويتني” لإدارة الاستثمارات، وهي شركة تحلل المخاطر الجيوسياسية “إن “منطقة الخليج ستصبح الآن رقعة متنازع عليها، تخضع لمنافسة استراتيجية بين القوى العظمى”.
ومع ذلك، لا يعتقد الجميع أن التعزيز العسكري أمر لا مفر منه.
في المقابل استبعدت تقييمات أخرى أن تسعى بكين لتوسيع نفوذها العسكري في مضيق هرمن من خلال وضع منشآت لوحدات أو أفراد البحرية التابعة لها.
لكن لدى الصين مخاوفها الخاصة بشأن تدفق النفط من المضيق وهو ما سيجعلها ترغب في بناء البنية التحتية هناك.
وتجاوزت بكين الولايات المتحدة باعتبارها المستهلك الأول للنفط في العالم وهي الآن تعتمد بشكل كبير على الشرق الأوسط في الكثير من إمداداتها.
ويمكن أن تكون الموانئ ومنشآت التخزين وسيلة لحماية إمداداتها من التعطل في منطقة معروفة بالصراع الإقليمي.
ويقول محللون آخرون إن الجيش الصيني لا يحتاج إلى إنشاء منشآت عسكرية رسمية في موانئ استراتيجية حيث توجد بالفعل شركات حكومية صينية.
وجاء في مقال في مجلة “الأمن الدولي” إنه بدلا من رفع تصورات التهديد الدولي من خلال العروض العلنية للوجوده العسكري، قد يختار جيش الصين دمج أفراد بملابس مدنية، واستخدام المستودعات والاتصالات وغيرها من المعدات لتلبية الاحتياجات العسكرية بهدوء”.
دون مورفي، الخبير في علاقات الصين بالشرق الأوسط قال إنه على الرغم من العلاقات الاقتصادية والسياسية الكبيرة والمتنامية للصين مع الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان “لا أرى أي مؤشرات على أن الصين تسعى حاليًا إلى إنشاء قاعدة أو وجود عسكري دائم في أي من هذين البلدين، أو في أي مكان آخر في الشرق الأوسط”.
وتابع مبددا المخاوف “لا أرى أي إشارات على أن الصين ترغب في تغيير وجودها الأمني بشكل جذري في الشرق الأوسط أو التحيز بين الدول، أو تحدي الدور الأمني للولايات المتحدة في المنطقة” قبل أن يستدرك “لكن الصين في الوقت الحالي، تعد بالفعل قوة اقتصادية وسياسية في المنطقة”.
أسواق النفط
مع ذلك، فإن الوجود الصيني المكثف في المنطقة قد يزعج أسواق النفط إذا امتدت المخاوف بشأن التوترات العسكرية المحتملة مع الولايات المتحدة أو أوروبا بشأن تايوان إلى المنطقة.
وغالبا ما ترتفع أسعار النفط الخام كلما تزايدت المخاوف بشأن الاحتكاك بين الولايات المتحدة وإيران.
وقال مساعدون جمهوريون في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، إنه حتى الوجود النسبي في المضيق من شأنه أن يمنح الشركات الصينية معلومات حول الوقود أو تحركات السفن التي يمكن أن ترسلها إلى بكين كمعلومات استخباراتية.
قال مسؤول أميركي لـ”بوليتيكو” طلب عدم ذكر هويته: “كل شيء في الصناعة الخاصة في الصين مرتبط إلى حد ما بالحزب الحاكم أو جيش التحرير الشعبى الصينى” قبل أن يضيف “حتى لو كنت شركة خاصة، فقد تطلب منك الحكومة الصينية مشاركة المعلومات”.
من جانبه، قال سكوت مودل، الرئيس التنفيذي لشركة Rapidan Energy الاستشارية والمسؤول السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الذي خدم في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأميركا اللاتينية “المهتمون بالأمن القومي مثلي سوف ينظرون إلى أخبار القواعد الصينية على طول مضيق هرمز على أنها تهديد غير مقبول للأمن القومي للولايات المتحدة”.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة