المكان في الفيلم الوثائقي

المكان في الفيلم الوثائقي يختلف الى حد كبير عن المكان في الفيلم الروائي الذي عادة ما «يخضع المكان فيه لعملية انتقاء لغرض كشفه أي (المكان) الأكثر أهمية من دون غيره «، لغرض إعطاء أو حجب المعلومات ، لان المكان في الفيلم الوثائقي عادة ما يكون حقيقياً وهو المكان نفسه الذي جرت فيه الأحداث أو الذي تجري فيه أحداث ما ، وتسجل في لحظة وقوع الحدث نفسها، وحتى في إعادة تمثيل الحدث الذي يلجأ مخرجو الأفلام الوثائقية إليه فأنهم يحاولون جاهدين الاشتغال في المكان نفسه الذي جرت فيه الأحداث الحقيقية والواقعية ، وربما يتم التعامل مع المكان بشيء من التعديل والحذف والإضافة ليتلاءم مع شكل المكان وقت وقوع الحدث فيه ، خصوصاً التي تتحدث عن شخصيات عاشت في المكان نفسه ويتم تناولها من خلال إعادة تمثيل الحدث واستعمال الوثيقة ، تجسيد الأمكنة في شكلين ، أولهما الظاهر الذي يتكون غالباً من الأشكال الهندسية وتدركه الحواس، وهذا ما يسمى مكاناً مادياً او ملموساً ، اما الثاني فهو المكان المستحيل الذي يتكون من خلال العلاقات المترابطة بين الأفراد وانتمائها الى ذلك المكان، فتظهر خيوط هذا المكان عن طريق الإدراك الحسي له . والمكان كمفهوم ما يحل فيه الشيء أو ما يحوي ذلك ويميزه بحده ويفصله عن بقية الأشياء، ويعد المكان في الفيلم الوثائقي وثيقة تعبر عن صدق الحادثة او الموضوع وغالباً ما يتم ذلك من خلال إعادة تصوير الأحداث وبنائها في أماكنها مثلما نشاهد في فيلم (معركة الاهوار) لصاحب حداد الذي استعمل المكان الحقيقي في إعادة بناء الأحداث وتمثيلها في منطقة الاهوار العراقية وما تشكله تلك المنطقة من أثر في ذاكرة المتلقي العراقي «المكان مفهوم وواضح هو الكيان الاجتماعي الذي يحتوي على خلاصة التفاعل بين الإنسان ومجتمعه «.
لذلك فإن المكان شأنه شأن أي نتاج أنساني هو ايضاً يحمل جزءاً من أخلاقية وأفكار ووعي ساكنيه، ومن هنا تأتي أهميته وأثره في الأفلام الوثائقية التي تحاول جاهدة أن تنقل الواقع كما هو بأقل تدخل فيه
فأخلاق وطباع ووعي وأفكار شاغلي هذا المكان هو جزء مهم من هذا الواقع ولا يمكن فصله عن الواقع أو الحادث أو الموضوع المراد التطرق إليه، فقد يعبر المكان عن حالة الشخصية ووضعها الاجتماعي والنفسي ومن ثم فأنه يعبر عن مجتمع كامل فمجرد النظر ومن خلال لقطة عامة إلى مكان كالأهوار مثلاً تحتوي على بيوتٍ من القصب وبعض المشاحيف المنتشرة على سطح الماء الذي يطفو عليه كل شيء ،البيوت ، الناس، الحيوانات، المشاحيف نستطيع أن نتعرف على الوضع الاجتماعي لهؤلاء الناس ونوع الحياة التي يحيون . وهو ما ينطبق على ساكني الصحراء، أو شعب الاسكيمو وكل هذه الأمكنة تناولتها السينما الوثائقية في العديد من أفلامها . إن طبيعة المكان في الفيلم الوثائقي تختلف بشكل كامل عن المكان في الفيلم الروائي بسبب إن المكان في الفيلم الوثائقي واقع غير مسيطر عليه، وجملة غير مسيطر عليه تعني فيما تعنيه حصول أفعال وأحداث لم تكن في الحسبان وغير مخطط لها وخارجة عن سيطرة صانع العمل وهذا ما يتطلب فيه التعامل بذكاء مع متغيرات المكان قدر الإمكان وحصر ملامحه بحدود الحدث المصور، وهو ما يعد اختلافا بين المكان الروائي الذي يكون واقعاً مسيطراً عليه خاضعاً لإرادة صانع العمل يتحكم به كيفما يشاء.

كاظم مرشد السلوم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة