هاني فحص الشيعي …..  بين جيفارا والسيدة العذراء

غيّب الموت غير العادل المفكر ورجل الدين اللبناني هاني فحص ، لنفقد نحن كعراقيين صديقا من طراز خاص ، همومه العراقية كانت ربما اكثر من همومه اللبنانية والوجودية وتنويراته الفكرية ، وهو الرجل المعمم المحكوم بفكر الطائفة وتنظيراتها ..

لم يكن هاني فحص رجل دين شيعيا ، فقد كان ينظر اليه رجال طائفته بكونه منحرفا ايديولوجيا، ففي بيته في النجف كان يعلق صورة القائد الثوري جيفارا ويلقي خطاباته تحت صورة السيدة مريم العذراء ..

التقيته اول مرّة في بغداد ، على ما اظن عام 2006  من دون سابق معرفة ، واجريت معه حوارا صحفيا، من دون أي خلفية عنه كرجل دين شيعي ومفكر لبناني ، وكانت تلك مهمة صعبة، فقد كانت زيارته لبغداد مستعجلة بسبب ارتباطاته المزدحمة .. كان اللقاء معه مبهرا بعمق افكاره وشفافيتها ووضوحها، كنت اتوقع اني سألتقي رجل دين تقليديا منغمسا بالصراعات الدينية والمذهبية مسكونا بالتاريخ وصراعاته وخلافاته ، ومنذ اللحظات الاولى للقاء بدد هاني فحص هواجسي ، ووجدت نفسي في مواجهة معمم خارج التقليد والتسميات والافكار الجاهزة المستهلكة، وقضيت مع فحص زمنا لم احدده ، ابهرني الرجل بطروحاته وسعة تفكيره وانسلاخه عن التوصيف التقليدي للمعمم ورجل الدين الذي تحكمه اليقينيات والمسلمات التي لا نقاش حولها ..

وكان من المفترض ان ينشر اللقاء في اليوم التالي ، وحين عدت ، وهذه اكشفها للمرة الاولى، لتنزيل اللقاء من جهاز التسجيل ، تبيّنت ان الجهاز اللعين لم يسجل حرفا واحدا من اللقاء بسبب خلل فني أو سوء استعمالي له !!

لكن كارزما الراحل وجدّة اقكاره ساعدتني على ان استعين بالذاكرة لتحرير اللقاء كما لو ان كل فكرة قالها كانت موجودة في مسجل ذاكرتي، وقال لي بعد اطلاعه على اللقاء “لقد حلبت افكاري” في الوقت الذي كنت خائفا من انني شططت وتحيزت وكتبت ما لايريده !!

هذا الرحيل افقدنا واحدا من اصدقاء الشعب العراقي وقضيته في الديمقراطية، كان هاني فحص شيالا للهم العراقي بصدق ومحبة أكثر من السياسيين العراقيين وكان من انشط رجال الدين الشجعان الذين فتحوا ابواب الاسلام للتلاقح الحضاري، وكان داعيا لدولة المواطنة التي بفقدانها تولد الطائفية في طبق من ذهب .. يقول هاني فحص ” ان غياب الدولة بالمعنى الجامع والحاضن ، أي ان تدير الاختلاف لا ان تعمقه او توسعه ، يصعّد الطوائف مع غياب الاحزاب المدنية أيضا ويستدعي ماضيها ، والماضي سهل الاستدعاء”.

ويبشر هاني فحص بعالم اللادين حين تحتدم الصراعات الدينية بشكلها الحالي فيقول ” اذا ظلّت الاديان التوحيدية تتصارع بهذا الشكل ، وتركت موقعها المسؤول للمتطرفين من المنتمين لها فسوف تبحث الاجيال عن دين آخر قد يكون هو اللادين”.

ويحكي عن حبه للقائد الشيوعي جيفارا ويقول “أحببت جيفارا ولم تجر ادانتي عندما علقت صورته في بيتي في النجف ، وانما كانت هناك دهشة، دهشة غير مألوفة ، لم اعاقب عليها( في اشارة الى تعاطف بعض رؤوس رجال الدين مع الصور وفكرها في البحث عن العدالة الاجتماعية) ، لم اعاقب عليها بالمعنى الحوزوي، ولم اعاقب على الاسئلة والشغب ، واتمنى ان تتحول تلك الصورة الى مناح كثيرة في الحياة ، بعيدا عن التعصب لرأي واحد أو رؤية تصادر غيرها من الرؤى ” وطالب بـ ” القبول بالآخر والحرية من دون عنف مرجعي مباشر او غير مباشر”.

والقى فحص الكثير من خطبه الدينية الشيعية وخلفه صور السيدة مريم العذراء المسيحية ..

فقدنا صديقا لايمكن تعويضه في لحظة الحاجة اليه في مرحلة حروب الطوائف هذه ..!!

 

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة