في لحظة ما ، وانت تجرم الفعل الداعشي في القتل والاجرام والتوحش، يذهب خطابك ، بفعل الحماسة والغضب والاختلاف في الرأي والايديولوجية، الى مسار معاكس ، فتكون النتيجة ، هي الترويج لعناصر فناء الحياة الانسانية على تنويعاتها الشديدة القسوة والبعيدة عن روح الحياة الحقيقية ..
بعض الزملاء من الكتاب والصحفيين، وفي غمرة محاولاتهم لمحاربة الفكر الداعشي وتكفيراته والغائه للآخر، يؤكد ان ممارسات الدواعشي ليس الا تجسيدا للفكر الاسلامي وتطبيقاته، مستشهدا بمشاهد من التاريخ السياسي للاسلام في خلافاته المتعددة ، من الراشدية الى العثمانية مرورا بالعباسية والدويلات والامارات التي نشأت على اطرافها وضفافها ، وكلها باسم الاسلام ، في قطع الرؤوس والايادي وسلخ الجلود وسمل العيون وابادة المعترضين والمعارضين والاحتفاء بمشاهد الدم ، نابشين كتب التأريخ والبحوث الحديثة التي تذهب الى تأكيد وجهات نظرهم ..
هذه الرؤية التي تريد ان تدين ، ولاشك في اختلافهم القطعي والجذري مع الخطاب الداعشي ، الا ان خطابهم للاسف الشديد يذهب الى مسارات التأكيد والتطابق، ومن ان التطبيقات الداعشية هي الحقيقة الاسلامية ، وهو خطاب داعش نفسه ، والذي يدعي انه حامل راية الاسلام الحقيقية، وان تطبيقاته ليس الا تجسيدا للخطاب الاسلامي من عصر النبوة والراشدين ..!
لنفترض ان خطاب هؤلاء الكتاب ، صحيح، وان استنباطاتهم التأريخية ، هي من صميم حقائق فكر وممارسات الاسلام ، فهل من المناسب الترويج لهذا الخطاب وتبنيه ، في وقت تحتاج معركة اجتثاث الدواعش من حياتنا الى خطاب مغاير يفكك بنية الفكر الداعشي ويدينه ، رابطا تفكيكه ، بالنماذج الاخرى من التأريخ نفسه ، وهي نماذج مختلفة الى حدود التقاطع والالغاء لفكر الدواعش ، بوصفه استشهادا منحرفا ومتقاطعا مع الخطاب الاسلامي الحقيقي، وانه مبتور العلاقة مع الاسلام ، تنظيرا وتطبيقا واهدافا ..
لانتائج من وراء الربط بين الاسلام والدواعش ، الا تقديم خدمة مجانية لفكر تكفيري يسعى للاستحواذ على عقل الشباب مستثمرا معاناتهم وضياع البدائل الحقيقية التي تسوقهم الى ساحات البناء بدلا من ساحات قطع الرقاب وسبي النساء والقتل الجماعي ..
اوباما يقول ان الفكر الداعشي ليس من الاسلام بشيء ، وان خالف قناعاته ، وقادة اوروبا يقولون الشيء نفسه وان خالفوا قناعاتهم أيضا ، في محاولة لاضفاء الطابع الوحشي على التنظيم وتعارضه مع كل القيم السماوية والوضعية ، بما فيها الالحادية ، والمتعارضة من الفكرالاسلامي عموما، ومحاولة منهم ايضا لاضفاء الطابع الانساني للصراع مع الدواعش والقضاءعليهم ، في الوقت نفسه الذي يتنطع البعض منّا الى الترويج لخطاب يعد فكر الدواعش التفكيري جزءا وربما كلا من المنظومة الفكرية الاسلامية ..
نحن نحتاج الآن الى تسويق المعركة الانسانية الكبيرة ، بكونها معركة الافكار الانسانية النبيلة ضد الافكار الطارئة ، ليس فقط على الفكر الاسلامي ، وانما طارئة على الفكر الانساني عموما ..
عناصر الاختلاف مع الفكرالاسلامي ليست خطيئة .. والنظر الى المنظومة العنفية في تأريخ الاسلام السياسي، في هذه المرحلة تحديدا، بوصفها تجسيدا للفكرالاسلامي وان الدواعش ورثة هذا التأريخ ، ليس الا خدمة مجانية لاعداء الانسانية في معركة محتدمة تؤدي فيها مئات من النوايا الطيبة الى الجحيم !!
دعوة لكتاب الاختلاف هذا، ان يسهموا في تعرية فكر اقتلاع الآخرين ، اصطفافا مع المعركة الجارية ، وترك التحايثات بين الاسلام والعنف لمرحلة تكون فيها اعادة قراءة الاسلام بحثا عن الحقيقية وليس خدمة للقتلة والمجرمين ..