الحوار الممنوع

مثلما يلجأ الأفراد إلى الحوار حول ظواهر مختلف عليها، لإزالة ما علق بها من لبس، أو كشف ما أحيط بها من غموض، تلجأ حكومات الدول إلى ذات النهج، مع قدر من التنازلات التي تستطيع الاستغناء عنها. أي أن الأمر لا يعدو أن يكون مقايضة يعتقد الطرفان أنها عادلة بما فيه الكفاية لكليهما. وحينما لا يملك أحد الأطراف ما يتنازل عنه، يصل الحوار إلى طريق مسدودة، ويعود الطرفان إلى قواعدهما بخفي حنين!
غير أن هناك نوعاً من الحوار المفتوح الذي لا يتوقف حتى يبدأ كرة أخرى، ولا ينتهي حتى يستأنف من جديد. وهو غير مرتبط بزمان أو مكان، أو حكومة أو شخص، لأن أسباب الخلاف القائمة فيه موجودة على الدوام. وسببه الرغبة الملحة للاستحواذ على الموارد.
ومن المعلوم أن توزيع الثروات الطبيعية في هذا العالم يتفاوت من منطقة لمنطقة، ومن بلد لبلد، ومن قارة لقارة. ولا بد لاستمرار الحياة من تبادل هذه الثروات بين المجموعات البشرية.
في تسعينات القرن الماضي وضع صموئيل هنتغتون أطروحته صدام الحضارات، التي حدد فيها أربع مجموعات بشرية، تتصارع على البقاء والمال والقوة في هذا العالم. وبطريقة ما ذكر أن الصدام بينها حتمي ولا بد منه، لكنه لم يعلن ذلك صراحة بالطبع. وقد ثارت حول هذا الموضوع ضجة كبرى في حينه. ومازالت الدول الفقيرة تجد فيه ضالتها في شتم وإدانة الولايات المتحدة. أما إيران – وهي الخصم التقليدي للولايات المتحدة هذه – فقد دعت من جانبها، رداً على هذه الأطروحة إلى حوار للحضارات، في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي!
لكن الواقع أن هنتغتون هذا كان داعية حوار أيضاً. وكان واحداً من 60 شخصية أميركية مهمة وقعت على بيان للتقارب مع الدول الإسلامية، عقب كارثة 11 أيلول عام 2001 في مانهاتن. وكان من ضمن هذه الشخصيات فرنسيس فوكوياما صاحب كتاب نهاية التأريخ، والصحفي الشهير توماس فريدمان وغيرهما.
لقد شعر هؤلاء أن الهوة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي بدأت بالاتساع، بظهور عامل غير متوقع في الساحة وهو الإرهاب. وبات عليهم التنبيه أن النخبة الأميركية تفرق بين الإسلام كدين، والمتطرفين الذين يتحدثون باسمه كأشخاص. بل أن القتل باسم الدين كما حدث في 11 أيلول هذا خيانة عظمى للدين ذاته.
ومع أن البيان كان مقدمة لحوار إنساني، جدير بأن يبقى ويتسع، إلا أن الحوادث التي أعقبته أسدلت الستار عليه، حتى نسي تماماً. وربما يعود السبب إلى سمعة هنتغتون كداعية صدام وعنف، أكثر من أي شئ آخر.
إن أحداً من النخبة سواء في إيران أو الولايات المتحدة، لم يتوصل إلى أن الحوار السلمي يمكن أن يحل مشاكل العالم، لأن مثل هذا الحوار لا بد له من تنازلات ومقايضات ومصالح، مازال الجنوبيون لا يملكون منها سوى النزر اليسير!

محمد زكي ابراهيم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة