معوقات ثورة تشرين العراقية وسبل نجاحها

جرجيس كوليزادة*

لاشك ان الظهور المفاجيء لثورة تشرين ولانتفاضة الشابات والشباب العراقي الثائر، والعفوية التي انطلقت بها، والشبابية التي تميز بها المحتجين والمنتفضين، وغياب البيانات والقرارات القيادية، عوامل جعلت من الثورة تظهر وكأنها بلا قيادة وبلا برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي، وقد تكون المجابهات الامنية والقمع الدموي للسلطة والمليشيات المسلحة تجاه الانتفاضة الثورية المدنية من اهم اسباب غياب القيادة، لهذا فان المشهد المتسم بالمعوقات والمعرقلات والمجابهات العنيفة قلل من فعالية وتأثير الثوار السلميين في ساحة التحرير وبقية الساحات في بغداد والمحافظات الجنوبية على إحداث التغيير المطلوب ودفع السلطة الحاكمة على الاذعان لتلبية المطالب الشعبية للاحرار الثائرين المدنيين.
وفي الحقيقة ومن خلال الكشف الميداني في الساحات المنتفضة، والاستناد الى المعلومة الصحافية الاستقصائية، تبين ان معوقات كثيرة تتقدم مسار الثورة، وتعيق مسار الانتفاضة، ومازالت سبل نجاحها غير متاحة بالدرجة الكافية لايصال الثوار السلميين الى شاطيء الامان، ولا يخفى ان الضحايا الكبيرة من الشهداء المكرمين بالمئات والجرحى المصابين بالالوف المقدمة كقرابين للثورة العراقية مازالت بعيدة عن نيل غاياتها وتحقيق اهدافها، ولكن بالرغم من المعوقات الكثيرة التي تحيط بها فان مسار الطريق صائب وجاري بعفوية شبابية رائعة لتحقيق التغيير والاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ولكي نقرأ مشهد الثورة والانتفاضة العراقية الحاصلة باطاره الصحيح، نستعرض اهم المعوقات التي تعيق وتحيط بها بغية تحليلها ومعالجتها لصالح المحتجين السلميين لتحقيق الاهداف المنشودة لصالح العراقيين، والمعوقات هي:
(1) وجود حضور تعددي وتنوعي غير موحد لمجموعة من الحركات والمجاميع الشبابية في ساحات الثورة والانتفاضة وخاصة في بغداد، حيث تلاحظ مجموعات شبابية تابعة للتيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر في ساحات التحرير والخلاني والسنك والوثبة، ومجموعات تابعة للحزب الشيوعي العراقي تتمركز وجودها وحضورها في ساحة التحرير، ومجموعات تدعي العلمانية وتطالب بفصل الدين عن الدولة وتطلق على نفسها اسم الجوكر تتمركز في ساحة الطيران ونفقها وحديقة الامة وساحة الخلاني، ومجموعات شبابية اخرى تشم منها رائحة البعث البائد تطالب بعودته تتمركز في بناية المطعم التركي وساحة التحرير والخلاني وجسر الاحرار، ومجموعة مثقفة تمثل الادباء والكتاب واهل الفن والصحافة والاعلام تتمركز امام نصب الحرية تقدم فعالياتها بنبرة ثورية سلمية ووطنية عراقية تعبيرا عن هموم المواطنين وطلبا للخلاص من النظام الفاسد المارق المخيم على صدور العراقيين منذ عقد ونصف من الزمن الرديء.
(2) نفس الحضور التنوعي غير الموحد الوارد اعلاه تسجل في المحافظات الجنوبية الناصرية والنجف وكربلاء والبصرة والديوانية والسماوة والعمارة والكوت، ولكن بدرجة اعلى تتشكل المظاهرات الشبابية من المحسوبين على التيار الصدري وثم المستقلين والعلمانيين والمثقفين وثم انصار الشيوعيين.
(3) عدم تشكيل قيادة موحدة للاطراف المشاركة في المظاهرات والمحتجين السلميين في ساحات الانتفاضة بالرغم من مرور فترة على بدء الثورة، وظهور اثار سلبية عليها نتيجة لغياب القيادة لاصدار القرارات وبيان المواقف.
(4) تعدد التنسيقيات للجموعات الشبابية التي تسير التظاهرات والاحتجاجات، وابداء التنسيق فيما بينها فقط خلال التجمعات التظاهرية الاحتجاجية، وعدم استغلال واستثمار هذه العلاقة فيما بينها لتوحيد وتشكيل قيادة موفقة للثورة.
(5) عدم اتخاذ الموقف الحاسم من المستقيل عادل عبدالمهدي ووزراء حكومته والمسؤولين الأمنيين والمجموعات المسلحة المضادة للثورة والانتفاضة، وذلك للمطالبة بتقديمهم للمحاكم واتخاذ الاجراءات القضائية والقاونية ضدهم.
هذه باختصار اغلب المعرقلات التي تعيق وتواجه مسار ثورة تشرين العراقية والتي تستفاد منها الجهات والاطراف والمجموعات المحلية والاقليمية المعادية للانتفاضة والثورة والتي تقمح الثوار الاحرار بكل وحشية وعدوانية بائسة.
ولغرض قراءة مشهد الثورة من منظور استنباط سبل نجاحها وايصالها الى بر الامان وتحقيق الانتصار للعراقيين على الحكام الفاسدين المارقين، فاننا نطرح مجموعة اقتراحات عملية وواقعية ومنطقية للاستفادة منها وللاستناد اليها في تحقيق اهداف الثورة، وهي:
(1) تشكيل قيادات سلمية مدنية في كل محافظة منتفضة وفي بغداد الثائرة، نابعة من ميدان ساحات الاحتجاج، ومتسمة بالرؤية السياسية الواضحة والناضجة لمجمل المسائل السياسية، ومحملة بافكار واقعية وموضوعية واستراتيجية للتعامل مع الواقع وذلك للخروج بالوسائل والادوات المتاحة لاحداث التغيير وفرض الاصلاح.
(2) تشكيل قيادة عليا موحدة من كل القيادات الممثلة لبغداد والمحافظات، ممثلة باعضاء قياديين مخبرين ومجربين لهم القدرة الناجحة على اقامة وادارة التظاهرات والتجمعات الاحتجاجية واجراء الحوار والمجادلة والتفاوض والتحاور بسلمية ومدنية عالية، وقادرة على صنع القرار المناسب والموقف الملائم اعتمادا على الاسس الثورية السلمية المدنية لتورة تشرين، وباسم (المجلس الاعلى لقيادة ثورة تشرين).
(3) تشكيل غرفة عمليات قانونية بمشاركة اهل الخبراء والحكماء المختصين ومن النقابات والجمعيات المعنية لكتابة المسودات الطارئة لتغيير وتعديل القوانين والقرارات التي لا تنسجم مع مصلحة العراقيين ولا تلائم اهداف الثورة، وتقديمها الى رئاسات الجمهورية واالبرلمان لاصداره في سبيل خدمة المرحلة الراهنة وضمان التغيير والاصلاح.
(4) وضع رؤى سياسية واقتصادية واجتماعية للثورة وطرحها واعلانها امام الرأي العام العراقي، وعلى ان تكون متسمة بقراءات تحليلية واضحة وعقلانية للحاضر بكل مشاكله وازماته القائمة، ومرفقة ومستنبطة بحلول واقعية وعملية واستراتيجية لمعالجة المعاناة الحياتية والمعيشية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها العراقييون بجميع مكوناته والمرتبطة بجميع قطاعات الحياة اليومية والعامة.
(5) تشكيل مجلس استشاري من اهل الخبرة والحكمة والرؤية الاستارتيجية، لا يقل عدد اعضائه عن ضعف عدد اعضاء المجلس الاعلى لقيادة ثورة تشرين، وبجميع الاختصاصات والمجالات والشؤون التي تختص بها ادارة الحكومة والدولة، للتنسيق واتخاذ القرارات الصائبة من قبل قيادة الثورة.
باختصار، المقترحات الواردة اعلاه تمثل الارضية المناسبة لضمان سبل نجاح ثورة تشرين في احداث عملية التغيير والاصلاح بالعراق من كافة جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والحياتية، وذلك لتحقيق مصلحة كل العراقيين بجميع شرائحهم ومكوناتهم وخاصة الشباب منهم الذين صنعوا ثورة تشرين اكتوبر العراقية بتضحية ارواحهم الطاهرة واجسادهم المجروحة ومواقفهم الشجاعة الصلبة، وما الفوز الا لهذه الثورة الاصيلة، وما التوفيق الا من عند الله والشعب.

  • كاتب وباحث سياسي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة