الافق الجمالي في (محنة انكيدو)

علوان السلمان

..المغامرة الشعرية قلق دائم ينم عن تجربة تنسج عوالمها الصورية بافق جمالي مستفز للذات المسجلة للحظتها (المنتج) والذات الجمعي الآخر (المستهلك ) باعتماد هندسة لفظية مكتظة بشحنات انفعالية متميزة بمعطياتها الفنية وتقنياتها الشكلية التي تستوعب التجربة والرؤيا ومتطلبات الحركة الحياتية والانسانية..
و(محنة انكيدو)المجموعة الشعرية التي انبثقت عوالمها من ذهنية فاعلة ومتفاعلة مجتمعيا وفكريا ونسجتها انامل مبدعها خالد البهرزي واسهمت المطبعة المركزية/جامعة ديالى/2019 في نشرها وانتشارها..كونها تعتمد رؤية صورية تخوض في غمار الاخيلة والانطباعات التي تنقل المتلقي (المستهلك) الى فضاءات حالمة بعيدة المدى ممتدة والبعد التاريخي لما فيها من صور مجازية متأتية من الواقع..ورموز تفعل فعلها وتضفي اضاءتها الخلاقة على فضاءات النص المتدفق بدفقات شعورية فنية جمالية لا تحدها ثوابت واشكال بتجاوزها القوالب الجاهزة..ابتداء من العنوان الايقونة السيميائية الدالة على ذات مأزومة مقترنة بالشخصية السومرية الاسطورية (انكيدو)التي شكلت مركز ملحمة كلكامش..بعد استدعاء جلجامش له عبر مكيدة اوقعت به ونقلته من عالم الحيوان البوهيمي الى عالم الانسان الحضري..اذ ارسل اليه(شامات) احدى نساء قصره لتغريه..ونجحت بعد ان عاشرته ستة ايام وسبع ليال علمته خلالها دروس التمدن…بعدها عاد يتبعها عائدة الى عالمها الانساني..حينها تتشكل العلاقة ما بين جلجامش وانكيدو بعد صراع طويل لم ينته الا بتشكيل العلاقة الانسانية التي انتهت بوفاة انكيدو الذي هزم خمبابا وصرع الثور المقدس..حينها حزن جلجامش عليه ورفض دفنه حتى خرج الدود من جسده فدفنه بنفسه وعزم البحث عن سر الخلود والموت الذي انتهى بخلود الالهة وموت الموجودات..
أنت وحدك
من رأى نخلة في الحدود برأسها النار تصرخ ياالهي
فأبناء اخوتها سادرون في الغي حتى النخاع
وانت وحدك من رأى قبرا سريعا في الهواء
وانت وحدك
من رأى عشبة الروح دنسها الرعاع
فخذني الى الغرقى والا..
فدعني لا أرى غير التي تنساب في قصائدي/ص25
فالنص يكشف عن تجربة رؤيوية متفجرة عكست الحالة الانفعالية والنفسية التي يفصح عنها التقطيع الكلمي..
ومكمن الضوء في كفين حاقدتين
لتغدو المصابيح وهجا من الحزن
والذكريات
الم اقل لك
الم
ال
أ /ص97
اضافة الى الانفتاح الدلالي والتقابلات الثنائية واستنطاق المكان الذي منح النص تشظيا جماليا واسهم في تخصيب المعنى وتكثيفه فشكل صورة تعتمد موسيقى الاستجابة لايقاع الحياة..كونه نتاج العلاقات الداخلية بحكم الارتباط الوثيق ما بين الدلالة والصياغة اللغوية التي هي(سلسلة من الحركات الصوتية المقترنة بسلسلة من الحركات الفكرية..)..فضلا عن انه استمد بنيته الجمالية من تماسك عباراته وتكثيفها واعتماده الذاكرة التاريخية والرمز..
ما أراه الان يجعلني انادي..وابا ذر ورائي
ايها المفتون عشقا
انهض الموتى ليلغون المنون
ربما تأتي الحياة /ص90
لتحقيق الصورة المرتبطة بالتجربة..اضافة الى توظيفه تقانات اسلوبية يأتي مقدمتها التكرار الدائري الدال على التوكيد وتشكيله لازمة النص من جهة والمضفي موسقة حركية على النص من جهة اخرى.. وهناك الاستفهام الذي يبحث عن جواب يسهم في توسيع مديات النص..اضافة الى استخدامه اسلوب البيان البلاغي كـ (الاستعارة والمجاز..)
لا توقف نزف خريفك ان طريق الاشباح طويل
كن يقظا
وتمهل في سكر الليل الى ان يفنى
فالليل كئيب جدا دون خليل
تمسك في حلمك واعط الاطفال حليبا كونيا
فحليب الازمات سموم
وتقدم في وطن يتأخر فيك لتنجو /ص73ـ ص74
فالنص يعتمد البناء الكتلي..المقطعي بوحدة موضوعية تنم عن تجربة محكمة في معانيها..كون الشاعر(المنتج)يمتلك خزينها الحدثي فينظمها شعرا معتمدا الخيال والمجاز اللذان هما اداتان اساسيتان للعملية الشعرية والمساعدان على المغامرة باختراق اللغة اليومية من اجل خلق الرؤية التي تفتش عن صورتها الشعرية المحركة للفكر المتأمل..المستنطق لما وراء صورها وعوالمها..وهذا يكشف عن التجربة الشعرية التي هي(عملية الحياة والحركة العضوية باكملها التي تسير في الكون) على حد تعبير هربرت ريد..والتي هي عند الشاعر تتسم بالوعي الذي يعني الموقف الفكري الملتصق بالانسان عبر منظور واع لفنه الشعري..
وبذلك قدم المنتج(الشاعر) تجربة شعرية محققة للذات بصورها ولغتها الباعثة للجمالي والفني المرتبط بمستوى الابداع..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة