تنشغل الدولة العراقية عن متابعة صيرورة التفكير لدى المواطن العراقي ولا تهتم الكثير من المؤسسات الحكومية بانعكاسات ما يجري من احداث داخلية وخارجية على تفكير الافراد وتفاعلهم مع الازمات والتطورات السياسية والامنية والاقتصادية.
وفي الوقت الذي تولي فيه الدول المتقدمة لحركة الرأي العام ومتغيراته وتشكل مجموعات رصد لتحليل الانطباعات والاستبيانات التي تجريها فرق متخصصة ومؤسسات معتبرة للتعرف على التوجهات والرغبات وهوى المواطن بشكل دقيق تغيب في العراق مظاهر الاهتمام ونفتقد الكثير من المبادرات والخطط للتأسيس الى مرحلة جديدة تلتزم بالمعايير العلمية والمهنية من شأنها ان تشكل خارطة طريق تشرح كيفية التعامل مع الازمات وتزود منظومة السلطة ببيانات ومعلومات تتيح للمسؤولين بشتى عناوينهم صياغة خطاباتهم في جميع المجالات بما يتناسب وحركة الشارع والملفت للانتباه ان غياب مثل هذه الاطر والاساليب سمح لجهات مختلفة بالتدخل وممارسة ادوار بديلة لدور الدولة العراقية واستهدفت مجموعات تقف وراءها اجندات داخلية وخارجية التأثير بالرأي العام العراقي والعمل على تسييس الملفات وتوجيهها وجهة دعائية لتحقيق اغراض واهداف مختلفة مما اسهم كثيرا في تغيير قناعات الناس وتشويه الحقائق والمبالغة في تفسيرها وفي احيان كثيرة حرفها عن مساراتها الطبيعية والاخطر من ذلك ان تكون لهذه الجهات الوسائل المتطورة لبث الرسائل الاعلامية المؤثرة التي تفوق احيانا قدرات الحكومة من دون ان تتحرك الجهات المسؤولة للضغط باتجاه معاكس وحماية الفئات المستهدفة من خطاب التشويه والانحراف.
ومن المؤسف جدا ان تتداخل المهام والصلاحيات في هذا الملف ففي ازمات مختلفة شهدها العراق داخليا وخارجيا لم نشهد تنسيقا واضحا او توزيعا صحيحا للمهام ففي قضية او ملف يتعلق بوزارة الخارجية ينبري مسؤول في وزارة الدفاع ويخرج امام الجمهور وعبر وسائل الاعلام لشرح ملابساته وفي قضية تتعلق بضباط عسكريين يخرج علينا الامين العام لمجلس الوزراء للتحدث في تفاصيل ما يجري وهكذا في ملفات وقضايا اخرى ينشغل فيها الشارع العراقي ويتم دفعه اليها عنوة من اجل الخوض في احاديث سياسية وتفسيرها تفسيرات مختلفة تحت وطأة البطالة وافتقاد مقومات الحياة الكريمة التي لو توفرت في حدودها الدنيا لما انشغلت الملايين بكل صغيرة وكبيرة مثلما لا تبالي ملايين اخرى في شعوب العالم بما يجري من حولها و تتصرف وتعيش حياتها بشكل طبيعي بعيدا عن ضجيج السياسة الا ما ندر وان انشغلت فعلى سبيل الاخبار والاطلاع فقط لا وفق التحليل والتفسير والتأويل الذي جعل من بائع الخضار في العراق محللا سياسيا .
د. علي شمخي