مظاهر خادعة

كارمن دورادو بيديا*

ترجمها عن الإسبانية:

أحمد عبد اللطيف

«سيدة عجوز تؤجر غرفة رخيصة لطالبة»، قرأت مارتا الإعلان وهي تنتظر الباص.

سجّلت العنوان ورقم الهاتف. ربما يكون ذلك هو الحل لمشكلاتها. فالمنحة التي حصلت عليها والمساعدة الصغيرة من أبويها ليستا كافيتين لتأجير شقة.

من الأفضل أن أمُر عليهم مساءً، فكرتْ، هكذا لن أتكلف ثمن مكالمة.

عند عودتها من الكلية، سارت في طريق زراعي بجانب النهر. اتبعت العنوان الذي سجلته وفي نهاية الطريق وجدت البيت. طابق واحد يطل بكسل على درب مطوّق بسور خشبي.

من الوهلة الأولى راق لها البيت. يبدو مكاناً هادئاً، بعيداً عن ضجيج المدينة. مكان نموذجي للدراسة.

تجتاز الحديقة حيث بعض القطط تأكل، وترى أعشاش عصافير. تحب الحيوانات، علاقتي بها على ما يرام، فكّرتْ.

على الباب تبحث عن، بدون أن تجد، جرسٍ كهربائي، جرسٍ نحاسي، ثم تدق بأطراف أصابعها. تفتح الباب سيدة عجوزة ترتدي سروالاً واسعاً وقميصاً واسعاً جداً عليها وقبعة من الخوص أصغر من مقاس رأسها.

–      كنت أستعد لتقليم الحديقة.

–      جئت لإعلان الإيجار، قالت لها مارتا.

–      أتصور ذلك. تفضلي، سأريك الغرفة.

المدخل ينفتح على ممر له أبواب من اليمين واليسار. كلها موصدة. تعد الفتاة حتى أربعة أبواب. وفي العمق، بجانب المطبخ، تقع الغرفة التي ستشغلها: واسعة، مضاءة جيداً، نظيفة وتتمتع بأثاث كافٍ لتغطية احتياجاتها. تطل الفتاة من النافذة التي تشرف على الحديقة وتفكر أن تضع تحتها مكتب الدراسة.

فيما كانت تريها المناطق المشتركة كانت مارتا تحسب عمر السيدة. ثمانون؟ ربما، رغم أنها تبدو أصغر كثيراً. إنها تسير بخفة.

تصلان إلى الصالون للحديث عن الشروط، وتبدو شروطاً مقبولة بالنسبة إلى مارتا.

–      متى تعزّلين؟

–      غداً، لو كان يناسب حضرتك.

–      عظيم!

يروق لها البيت والمرأة. كلاهما تفوح منه رائحة البقسماط، رائحة الحطب المحروق، رائحة البيت. وحين تودعها، تعانقها العجوزة وتصيح: لك عظام رائعة!

في اليوم التالي، تصل مارتا إلى البيت محمّلة بأشيائها، وترى البيت موصداً بمصاريع مغلقة بقفل. يا للغرابة! هل رحلت المرأة؟ وبينما ترددت الفتاة في اجتياز الحديقة، فتحت لها العجوزة بابتسامة.

–      سترين كيف سيفرحك البقاء معي. يروق لي رفقتك.

–      أليس لك أبناء؟

–      نعم، ابن عسكري.

–      ألا يأتي لزيارتك؟

–      نعم، هو معي، تقطع الحوار.

تتجه الفتاة إلى الغرفة. لا تتجرأ على طرح سؤال لماذا النوافذ مغلقة.

بعد دقائق قليلة تظهر العجوز بفنجان شاي.

–      تعالي معي إلى الصالة، لقد أعددت لك قليلاً من الباستا.

عند المرور بالممر، تشاهد صور ابنها الفوتوغرافية. يرتدي الزي الرسمي، يقف في أحد الاحتفالات الرسمية، يقف بالبزة الميري، يصعد إلى دبابة.

وفي الصالة، تسألها العجوزة عن عائلتها، إن كان لها خطيب، وعن الدراسة.

ومارتا تشعر بأنها مخترقة، رغم أنها تسامحها، وتفكر أنها مسألة سن.                   

قليلاً قليلاً تبدأ الأشياء في الغرفة في التبخر. تشعر الفتاة بثقل ساقيها حتى يغدو كل شيء أسود.

وحين تستيقظ، تجد نفسها نائمة على سرير صغير. عارية ومربوطة. والعجوزة تمرر اسفنجة على كل جسد الفتاة بنعومة بينما تقول لها: يا ابني، أخيراً عثرت لك على رفيقة.

تلتفت مارتا إلى حيث توجّه العجوزة صوتها، وفي ركن ما، بين قطط وطيور وحيوانات أخرى محنطة، ترى العسكري في زيه الرسمي.

*****

(*) كارمن دورادو بيديا (مدريد، 1958) قاصة إسبانية، متخصصة في كتابة القصة القصيرة جداً وفازت بالعديد من الجوائز الأدبية. تدير مجلة «ألكيميا» الأدبية وكذلك إحدى عضوات ورشة كلارا أوبليجادو الأدبية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة