لا مفر من المحاصصة

استنادا الى ما نمتلكه من احتياطات هائلة في مجال “البطرنة” ومشتقاتها من قيم اللاابالية وانعدام المسؤولية وضحالة الوعي، تلقي قطاعات واسعة منا (عوام وخواص) بالمسؤولية عما حل بنا من فشل وفساد وكوارث على شماعة المحاصصة، بوصفها علة العلل فيما انحدرنا اليه من احوال لا تحسدنا عليها قبائل الهوتو والتوتسي التي رمت خلف ظهرها عار الحرب الاهلية لتصنع رواندا الجديدة. في مقالنا هذا سنتطوع للعب دور “محامي الشيطان” بعد أن تم شيطنة هذا العنوان (المحاصصة) الذي لا يقل براءة من الذئب الذي القت عليه تهمة افتراس يوسف. في الوقت الذي اتسع فيه صدر هذا العنوان لاستقبال كل الشتائم والتهم، نيابة عن الحضيض الذي انحدرنا اليه لحزمة من الاسباب الموضوعية والذاتية والتاريخية الذي مر بها البلد في عقود ما قبل “التغيير” وبعده، نجد غالبية ممثلي الطبقة السياسية التي تلقفت مقاليد امور عراق ما بعد 2003 تبعد عن نفسها كل الاتهامات لترميها على من تحول الى “حايط نصيص” حقبة الفتح الديمقراطي المبين، من دون ادنى وجع من عقل أو مسؤولية أو ضمير.
من دون ادنى شك تعد المحاصصة كنظام لتقاسم تركة أبشع نظام شمولي عرفه تاريخ المنطقة الحديث؛ نوعا من الحل ينسجم وما انحطت اليه حالة المجتمع العراقي وفلول دولته من تفسخ وتشرذم، بعد أن نجح النظام المباد من سحق كل ما له صلة بالتعددية والوطنية العراقية وتقاليد النشاط الحزبي والسياسي والنقابي في البلد. صحيح انها وسيلة متخلفة وبائسة مقارنة بما ارتقت اليه باقي سلالات بني آدم من منظومات سياسية وقيمية راقية، الا انها أقل تخلفا وبؤساً عما انحدرنا اليه بعد “ان استردت قبائلنا لمفاتنها في زمن انقراض القبائل” كما تنبأ الشاعر مريد البرغوثي قبل اربعين عاماً. أكثر من 16 عاماً مما يفترض انه عراق اتحادي ديمقراطي، برهنت وبما لا يتناطح عليه كبشان، بان الصناديق وتشريعاتها ومفوضيتها المستقلة جداً، جميعها حريصة على اعادة الامانة التاريخية الى من ترشحهم كتل التفسخ والتشرذم الوطني والاجتماعي، وما فشل من تنطع لتقمص دور الضد النوعي لهم الا دليل قاطع على ما وضعناه عنواناً لمقالنا هذا أي (لا مفر من المحاصصة).
أما ان كنتم جادون حقاً لمغادرة هذا العنوان الى ما ارتقت له الامم الحرة، أي دولة المواطنة وتشريعاتها ومؤسساتها العابرة لاسلاك “الهويات القاتلة”؛ فلذلك شروط ومستلزمات وادوات تتعارض جميعها وشراهة وضيق افق كتل المشهد الراهن. كما ان تجربة الاحتجاجات والتظاهرات والجيل الجديد من الاعتصامات امام المؤسسات الحكومية من اجل التعيين، وغير ذلك من النشاطات بالرغم من مشروعية مطالبها والتي تتفق والحقوق التي تضمنها الدستور في توفير فرص عمل وحياة حرة وكريمة للعراقيين، الا ان الكثير منها لم يتعد حدود تلك المطالب الفئوية، والتي تتحول سريعاً بيد الكتل المتناهشة الى رصيد اضافي في ماراثون تصفية حساباتها مع بعضها البعض الآخر. لن نغادر الموضوعية والانصاف عندما نعد العودة المتكررة لتقنية المحاصصة، وبعد كل دورة انتخابية مصحوبة بطوفان من الوعود الطوباوية للخروج منها؛ بانها تجسيد للحكمة والواقعية في التعاطي مع حقائق هذا المستنقع الذي انحدرنا اليه، ففي نهاية المطاف وفي ظل هيمنة عقائد وجماعات وثارات القرن السابع الهجري؛ تكون المحاصصة خشبة خلاص لا مفر منها الى أن “يقضي الله أمرا كان مفعولا”…

جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة