حملانُ الله

ماركوس أورتس
ترجمها عن الألمانية: عارف حمزة

أشفقَت الحياةُ عليّ في حيواتي الأربع.
تسع حيوات تملكها قطّة
وأنا؟
في حياتي الأولى
في الثالثة من عمري
تأرجحنا على المسند الخلفيّ لأريكة المطبخ.
كان يعني السقوط للخلف من خلال النافذة:
ثلاثةَ أمتار في قاع الموت الأكيد.
ارتجَّ الزجاج
اللوح الزجاجيّ سقط
ليس مثلي
رأس الشظيّة بقي عالقاً في أعلى إطار النافذة
وتوعّدَ رأسي.
قفزَتْ الأمّ أعلى من المكواة
أمسكَتْ جسدي بيدٍ
وباليد الأخرى حطّمَتْ الشظيّة
ثمّ جذبَتني نحوها.
رنينُ خاتمُ زواجها علىَ الزجاج
حياة ثانية
في الخامسة من عمري
مثل كارثة زمجرَ، نابشاً في البطن
ثلاث مرات أخذوني إلى الطبيب في ليلة الألم السوداء
لا شيء. لا يوجد أيّ شيء. لا شيء. لا شيء
ولكن الطبيب شحبَ في المرّة الرابعة
الذهاب إلى المشفى
المصران الأعور
الخُلد الأعمى مدّ رأسَهُ من ثقب السرّة
«عشرون دقيقة» قال الجرّاح
بعد عشرين دقيقة
لا يمكن للمرء فعل أيّ شيء
في الغرفة ذات الأسرّة الخمسة كنتُ أمارس الجمباز
من أسرّة الآخرين حصدتُ البثور والقمل
الحياة الثالثة
في الحادية عشرة من عمري
الذهاب بالدراجة من المسبح إلى البيت
شعري كان نصف مبتلّ
وأنا أقطع موقف السيارات
انفتح بابٌ وصدمني
التدهور على الشارع
السقوط
النظرة إلى الخلف
السيارة خلفي
ستدهس رأسي
في اللحظة الأخيرة
حوّل أحدُهم المقود
وتابع سيره ببساطة
من دون أن يتوقّف.
تراجع الموت
عندما دهنَ الصرير خطوطَه السوداء على الإسفلت
في القطران القاسي
بقي محفوراً عليه إلى الأبد
الحياة الرابعة
في الأربعين من عمري
انفجر المطرُ فوق الطريق
والمطرُ انحسر بعدها
والمطرُ توقّف
لكنّ الطريق ظلّ مبتلّاً
تمايلت السيّارة وضاعت السيطرة عليها
ما عاد من الممكن التحكّم بالمقود
التفاف السيارة ببطء
الأفكار الفارغة في الرأس
لا سيارة. لا دراجة على الجانب الأيمن
لا دعامة للجسر
ولا حتى حاجزاً
فقط منحدر
منحدر الحظ
تمتلك فرصة نادرة للنجاة
الانهيار وانقلاب السيارة
ينزلق في الرأس
تباطؤ. انزلاق. ارتفاع..
من القبر الآمن
انبعاثٌ بلا أيّ خدش
كانت كلمات ميكانيكي السيّارات في اليوم التالي:
ألم تُجرح حتى من هذا الحطام؟
كان ذلك مستحيلاً تماماً
اليوم
تجنّبتُ الموتَ: أربع مرّات.
من المجرفة هربتُ: أربع مرات.
أشفقَت الحياة عليّ: أربع مرات.
الضوء الأخير يبرقُ دائماً:
هل توجد حياة خامسة أيضاً؟
كالتي عند القطط؟
أن يرحمكَ الموتُ
خلافاً للحياة
يوماً ما
في المستقبل
فقط لمرّة واحدة
يا فلامينكو الله، لا تأخذي بعيداً خطايا البشر، الذين أخذوكم بعيداً، وقصقصوا أجنحتكم. تقفون هناك مبتورين ومشوّهين تحاولون اكتشاف ما معنى الطيران. وبماذا يفكر حارس حديقة الحيوان، ذاك الذي يجمعُ قِطع الأجنحة المقصوصة لطائر الفلامينكو ويضعها في كيس، ثم يأخذ الكيس إلى معمل حرق الجثث لحرقها؟
يا حيوانات الله، انظروا، الإنسان، في النهاية، ليس طائراً بجناحين.
يا حيوانات الله، لا تَهَبُوا لنا السلام؛ لأننا كقتلة لا نستحقهُ.

ماركوس أورتس: كاتب ألماني ولد في عام 1969، ويعيش حالياً في مدينة كارلسروه، ودرس الفلسفة وفقه اللغة والأدب الإنكليزي في جامعة فرايبورغ. عمل مدرّساً للغة الإنكليزيّة وآدابها، قبل أن يتفرّغ للكتابة. في عام 2017 صدرت روايته الحادية عشرة بعنوان «ماكس»، في الوقت الذي تُرجمت ثلاث من رواياته إلى ست عشرة لغة. نال أورتس العديد من الجوائز، والمنح، سواء في ألمانيا أو فرنسا، عن رواياته وكذلك عن مسرحيّاته وكذلك عن فيلم مأخوذ من إحدى روايته. ماركوس أورتس يكتب أيضاً المسرحيّات الإذاعيّة وقصص الأطفال، والمقطعان المترجمان هنا هما من ضمن مساهماته في كتاب «صلاة الجنازة» الذي صدر مؤخراً، عن دار زيبتيم، مع الكاتبة النمساويّة مارلين شاخينجر (1970) والكاتب الألماني (من أصول تشيكيّة) ميشائيل ستافاريتش (1972).

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة