التحيز للرجل ضد الرواية النسوية العراقية

عبد الغفار العطوي

لا بأس من ان نستعير عنوان بحثنا هذا من العنوان العريض لكتاب الناقدة النسوية الفرنسية كيت مليت ( السياسات المتعلقة في التحيز للرجل ) التي وجهت نقدها لنظرية فرويد في التحليل النفسي باعتبار الاخير عاملا اساسيا من عوامل النظام الابوي (1) كي نشخص العقبات الأساسية التي وضعت في تاريخ الرواية العراقية و يتحكم بها الكاتب الرجل ، و يجعل من التفاوت التاريخي في نشأة الرواية العراقية التي يحكمها الرجل ( رواية الرجال ) و نشأة الرواية النسوية العراقية ( رواية النساء) ميزة في اتطور و اختلاف الروايتين ( دعنا لا ننصت لتلك الاصوات التي تبذل جهدا ضائعاً في محاولة ردم الهوة بين الروائيين و الروائيات في العراق ، و التغاضي عن الفعل الفاضح في الاستنكار الشديد مع السخرية الصامتة الممجوجة للروائيات و هن ينجحن في مسألة الاختلاف في الكتابة التي وضعن حدوداً و قواعد لها ) (2) لكن المسألة ما آلت إليه الرواية التي ما فتأت تنحاز للرجل من عام 1921 (3) الى ان تكون متقهقرة من جوانبها الريادية فالتجريبية ، فالبحث في الاشتغالات الفنية و انتهاء بالحداثة ( الخلاقة ) عام 2003 ،بينما ظهور تاريخ الرواية النسوية العراقية عام 1953 (4) ظل ينوارى في ظلال الرواية العراقية و هيمنتها الذكورية ، و إن اردنا معرفة الاسبقية في وعي الاختلاف في الكتابة التي اقترحتها الروائيات العراقيات و استهجنها الروائيون العراقيون و النقاد في استعراض ازمة الرواية العراقية (5) فإن علينا ان نبحث عن الابوية التي جعلت من الرواية العراقية الرجالية تتعثر بأذيال الأطر المجتمعية التي قيدت الثقافة الى تحولاتها ، و ان تتلكأ في الركود الإيديولوجي الذي شكل نمطاً من التبعية ،مما ادى الى ان تصمت الرواية العراقية الرجالية بين عامي 21-53 اي الفجوة الزمنية الفاصلة بين تاريخي نشأتي الروايتين ، و تسمية الابوية للرواية الرجالية العراقية هو في المنظومة الرمزية التي يمثلها اليسار العراقي الذي نشأ في التاريخ نفسه للرواية و اضفى على بواكير الرواية الرجالية الحمود السياسي العقائدي و السذاجة و الطفولية اللتين ميزتاه ، ظل اليسار العراقي ابا الرواية التي يكنبها الرجل ، واضعا ثلاث عقبات قيدت مصير الرواية لمصيره ، اولا ربط الظاهرة الروائية بوصفها نتاجا سسيومعرفيا للحراك الإيديولوجي ، بالظاهرة السياسية ، و كانت المتبنيات الماركسية واضحة في النظرية الأدبية الإنعكاسية من الواقع الى عالم الرواية ( مدرسة الواقعية النقدية ) (4) و اعتقد اليسار العراقي ان الثقافة ترتبط بالسياسة بوجه من اوجه التقليد ، أي يأتي المذهب الفني للواقعية المستوعب نظريا من قبل النقد التقدمي في اساس الواقعية النقدية كاتجاه ادبي خلاق ، فكانت الرواية تتبع ظل اليسار و لا تحيد عنه ، و لما آمن اليسار بعلمية الفلسفة التي وجدها صالحة لاستعراض قدراته ، اهتم بالتجريب الشكلي و الفني و هي العقبة الثانية التي فرضها اليسار الابوي تماشيا مع الاعتقاد بإن السياسة التي يؤمن بها يجب ان تكون علمية ، و جيل الستينيات شهد ذلك النشاط بعد النقد الشديد الذي وجهه اليسار للواقعية الساذجة للجيل الأربعيني و الخمسيني من الروائيين ( الواقعية غير العلمية ) و العقبة الثالثة هي دمغ تاريخ الرواية العراقية الحافل بالروح الايقاظية ، بالنتاج المقلد للآخر الاجنبي و الاقليمي و العربي بالهالة الذكورية (7) ليصطدم الروائيون الذكور ( و معهم القليلات من الروائيات ) بإشكاليتين ، إشكالية حرب الثماني سنوات (1980-1988) و الخجل و الاضطراب في صبغ عالم الرواية بلون من الكتابة السياسية !و الثانية عجز ذلك اليسار في ابويته التي طالما هدد بقدراتها النقدية ( في الخارج قبل الداخل )ان يفهم ما ستؤول اليه الرواية و الروائيون بعد عام 2003 بينما حافظت الروائيات العراقيات على مستوى التصاعد الكمي و النوعي بعيدا عن ابوية اليسار العراقي الذي دفع الرواية العراقية الرجالية الى مأزق اتبعية ، و لو قارنا ما قدمته روائيات عراقيات كلطفية الدليمي و إرادة الجبوري و ابتسام عبد الله في الموجة الاولى من الرواية النسوية العراقية قبل 2003 مع ما اصدره الروائيون الرجال مثل غائب طعمة فرمان و فؤاد التكرلي و عيسى الصقر على سبيل المثال في الستينيات سنلحظ الاثر الواضح للأبوية اليسارية و هي تحتوي نتاجات الروائيين ، بينما تكاد تخلو كتابات الروائيات من تلك العقبات بذهابهن الى إيجاد منظومة من الدلالات الرمزية و الثيمات المتعلقة بالمضامين النسوية ، أي إن الفرق كان شاسعا في اشتغالهما ، بسبب الانهماك المجاني بلعبة اليسار لدى الروائيين الذي حينما هوى الى القاع انزل معه الرواية العراقية الرجالية ، فالتساؤل الذي ينهض في وجه تدهور الرواية الرجالية العراقية يجب ان يؤشر الى فشل اليسار و خفوت نجمه و افول براديغيمه ، و المحك بعد 2003 لما ضاق منظور الرواية العراقية الرجالية مقابل اتساع افق الرواية النسوية العراقية ، لنجد التصاعد الكمي للرواية الرجالية ، مقابل التزايد النوعي للرواية النسوية ، و هنالك عشرات الامثلة التي لا يسعها بحثنا القصير ، من هنا نلتفت الى المطلب الاساس في بحثنا في تعريف الابوية في معنى اليسار ، بمعنى ما هو اليسار ؟ المطلب من اليسار هنا هو منظومة فكرية عقائدية سياسية تحملها النخبة المثقفة التي تؤمن بأن التطور الاجتماعي يمثله الوعي السياسي في حركة التاريخ ، هذا التطور التاريخي يتعكس كجدل فلسفي مادي في الإنتاج الإنساني و نشاطاته الثقافية ، و هو ليس بالضرورة بمواجهة اليمين ، إنما هو تمفصل تاريخي يتجلى في الثقافة و العلوم الخ و التحيز للرجل في اليسار اصله ليس في فلسفته الماركسية او القومية ، بل في اعتقاده بوجوب إعلاء هيمنة الرجل على المرأة و التنظير لها ، بينما تستخدم النسوية المعاصرة استراتيجيات تفكيكية لكي تزعزع استقرار النظام الكامن في ثنائية المذكر – المؤنث (8) متأثرة بفلسفة جاك دريدا التي تقول ان الهياكل الثنائية ستظل دائما تميز احد الزوجين على الآخر مثل الذكر عن المؤنث و بدلا من محاولة قلب هذا الوضع بحيث يصبح المؤنث متميزا عن الذكر ، أبوية اليسار العراقي للتركيبة المنظومية المشوشة تؤمن بقدرة المذكر في الهيمنة ، و نتطير الثقافة وفق مدركاته الذكورية ، و لما ضعف اليسار ضعفت استيهاماته ، و بقيت الرواية العراقية الرجالية تنحدر معه الى القاع ، بينما نجت الرواية النسوية العراقية ، و صارت تصورات الروائيين تتمحور في متاهته.

إحالات:
1 – النسوية و ما بعد النسوية تحرير سارة جامبل ترجمة احمد الشامي المجلس الاعلى للثقافة القاهرة الطبعة الاولى 2002 ص 72
2 – تجلياتهن ببلوغرافيا الرواية النسوية العراقية (1953-2016) د – لقاء موسى الساعدي الناشر المؤسسة العربية للدراسات و النشر بيروت الطبعة الاولى 2016 ص15
3 – نشأة القصة و تطورها في العراق 1908-1836 د – عب الإله احمدالشؤون الثقافية – بغداد ص 33
4 – تجلياتهن مصدر سابق ص 11
5 – جماليات الرواية العراقية د – نجم عبد الله كاظم دار شهريار العراق – البصرة الطبعة الاولى 2018 ص 19
6 – الواقعية النقدية في الادب س بيتروف ترجمة د – شوكت يوسف منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب دمشق 2012 ص 83
7 – نشأة القصة و تطورها مصدر سابق ص 27
8 – النسوية و ما بعد النسوية مصدر سابق ص 94

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة