رسالة اليوم العالمي للمسرح 2019

قرأ الرسالة من العراق الكاتب عبد النبي الزيدي الفائز بجائزة الابداع عن الكتابة المسرحية

كالعادة في كل عام يكلف احد الأسماء المسرحية في العالم او مجموعة أسماء بكتابة كلمة رسالة يوم المسرح العالمي والتي تقرا خلال احتفالات المسرحيين في كل مسارح العالم .
هذا العام كلف المخرج والدراماتورج الكوبي كارلوس سيلدران استاذ مسرح بجامعة هافانا في كوبا بكتابة رسالة يوم المسرح العالمي وترجمها المخرج والكاتب سفيان عطية مدير مسرح العلمة /الجزائر
نص الرسالة:
قبل معرفتي بالمسرح والتعرف عليه، كان أساتذة المسرح الذين هم أساتذتي موجودين هنا كانوا قد بنوا إقامتهم ومناهجهم الشعرية على بقايا حياتهم الشخصية. الكثير منهم الآن غير معروفين أو لا يُستحضرون كثيرا في الذاكرة، كانوا يعملون في صمت وفي قاعات التدريبات المتواضعة داخل مسارح مزدحمة. بعد سنوات من العمل والإنجازات الرائعة راحت أسماؤهم تتوارى تدريجيا ثم اختفوا. عندما فهمت أن قدري هو اتباع خطواتهم فهمت أيضا أنني ورثت من تقليدهم الفريد والمدهش العيش الآن وفي الحاضر دون أن آمل سوى إلى الوصول لتلك اللحظة الشفافة وغير القابلة للاستنساخ، لحظة اللقاء مع الآخر في ظل المسرح، لا يحمينا إلا صدق إيماءة وكلمة تعبر عن الكثير.
موطن مسرحي … هو لحظات اللقاء مع الجمهور القادم إلى قاعاتنا ليلة بعد ليلة من الأحياء المختلفة بمدينتي لكي يرافقنا ويتقاسم معنا بعض الساعات، بعض الدقائق … من هذه اللحظات المنفردة تتكون حياتي، عندما أكف من أن أكون أنا، من أن أتألم لأجلي وأولد من جديد وأنا مدرك ومستوعب لمفهوم المهنة المسرحية أعيش الحقيقة المطلقة للحظة سريعة الزوال، عندما يصبح ما نقوله ونفعله تحت نور الأضواء الكاشفة حقيقيا ويعكس أعمق الحنايا من أنسفنا و أكثرها شخصية.
موطن مسرحي ومسرح الممثلين معي هو وطن منسوج من لحظات نتعرى فيها من كل أقنعتنا، من البلاغة، نتعرى ربما مما يمكن أن نكون نحن ونمسك بأيدي بعضنا البعض في الظلام.
التقليد المسرحي أفقي، لا يمكن لأحد أن يجزم بأن هناك مركزا عالميا للمسرح في أي مدينة كانت أو في أي صرح متميز كان، المسرح كما عرفته ينتشر حسب جغرافيا غير مرئية ويختلط مع حياة الذين يمارسونه. الفن المسرحي إيماءة توحد بين الناس، كل أساتذة المسرح يحملون معهم إلى قبورهم لحظاتهم التي يتجسد فيها الوضوح والجمال والتي لا يمكن أن تعاد مرة أخرى، كل واحد منهم يضمحل بالطريقة نفسها بدون أي رد للاعتبار لحماية عطائهم وتخليدهم.
أساتذة المسرح يعرفون كل هذا يقينا، لا يمكن لأي شكل من أشكال الاعتراف بالجميل أن يكون صالحا خارج هذا اليقين الذي هو أساس عملنا. خلق لحظات حقيقة، إبهام، قوة، حرية وسط هشاشة محفوفة بالمخاطر. لا شيء يبقى إذا استثنينا المعلومات والتسجيلات من صور وفيديوهات التي تحمل بين ثناياها فكرة باهتة عن منجزاتهم.
فكل هذه التسجيلات ينقصها الردود والتفاعلات الصامتة لجمهور فهم أن تلك اللحظة لا يمكن أن تترجم ولا أن يلتقي بها خارج ذاته. وإيجاد هذه الحقيقة التي يتقاسمها مع الآخر هي تجربة حياة بل أكثر شفافية من الحياة نفسها لبعض الثواني.
لما فهمت أن المسرح في حد ذاته موطن و مساحة شاسعة تغطي العالم ، نشأ في أعماق نفسي قرار و هذا القرار في ذاته تحرر: لا تبتعد من المكان الذي أنت فيه، لا جدوى من الركض و التنقل، حيث ما كنت يكون الجمهور، يكون الرفقاء الذين تحتاجهم بجانبك، هناك خارج منزلك توجد الحقيقة اليومية المبهمة والغير قابلة للاختراق، اشتغل وفق هذا الجمود الواضح لتحقق أكبر رحلة على الإطلاق، تبدأ من جديد، من زمن المغارات، كن أنت المسافر غير القابل للتغيير و الذي لا يتوقف عن تسريع كثافة وصلابة حقيقة عالمك تتجه رحلتك نحو اللحظة، الوقت و التقاء أشباهك، رحلتك تتجه نحوهم نحو قلوبهم، نحو ذاتيتهم سافر في داخلهم، في مشاعرهم، في ذكرياتهم التي توقظها و تجمعها، رحلتك مذهلة، لا أحد يمكن أن يعطيها حق قدرها أو يسكتها، ولا احد يمكنه أن يقيس حجمها الصحيح، إنها رحلة في مخيلة شعبك، بذرة مغروسة في أبعد أرض موجودة، الوعي المدني، الأخلاقي و الإنساني للمتفرجين عليك .
وهكذا أبقى غير قابل للتغيير، دائما في بيتي مع أهلي في هدوء واضح أعمل ليل نهار لأن لدي سر الانتشار والتوغل.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة