تفتيت الفعاليات الزمنية وتراكم الصراع والفعل الدرامي

علي لفته سعيد

تعتمد رواية (أوراق المجهول) للروائي والناقد داود سلمان الشويلي الصادرة عام 2019 الى رواية تعدد مناطق الصراع لتفعيل الحكاية وتحويلها من متن حكائي الى سرد حكائي والعكس صحيح. فهذه الرواية تنتمي الى خاصية مراقبة الشخصيات وتفاعلها مع الحدث لانتاج زمن تفاعلي متعدد المحطات لذا فإنها رواية تنطلق من عدد من الموتيفات التي تؤدي وظيفة اندماج حالتي الزمن والمتن لإنتاج قصدية تفاعلية قادرة على انتاج مستوى تأويلي يأخذ بالحسبان القدرة المفردة على انتاج مستوى لغوي يقابل القدرة التدوينية التي تنتج وحدات مكانية تنطلق ما بين أزمان ومكان الحكاية ذاتها.
فهذه الرواية التي جعلها الروائي منطلقا لأوراق كتابية هي بالأساس اوراق ذاكراتية كما جاء في المقدمة او ما أسماها (ورقة خارجية) والتي تنتهي بورقة خارجية ثانية) وكلمة اخيرة تعبر عن المستوى الفلسفي الذي يريدها الروائي وقد خرج من توصيف الراوي ليعود الروائي الى التدخل لإسباغ الفعل الفني وتحديد القصديات بل واستغلال الشفرات التي تعطيها الرواية وحكايتها كمفهوم مستقبلي لفعل التدوين او ما ير يده الروائي على لسان راويه البطل الطفل الطالب العاشق المدون الراوي المستقبل المنهك بتقشير الماضي كدلالات غائية.
ان بنية الكتابة في الرواية انطلقت من خلال فعل المقدمة الذي يبدو انه خارج الفعل الدلالي ولكن بعد ان يتم التلقي في الاوراق نكتشف وجود علاقة تدوينية لتبيان فعل الروي وقصدية التي اثمرت عن 18 ورقة لتكون حجة للمتن السردي مثلما حجة للخروج من عنق الحكاية الى فضاء الرواية. فالمقدمة تعني تبويب ما سيأتي ثم الارتباط بالعنوان الرئيس الذي هو بوابة العمل الكلية الذي جعله الروائي مضاف ومضاف اليه لكي ترتبط المعاني مع الدلالات في الكشف عن الكاتب والمدون والمعني في هذه الاوراق ومن هو المجهول.
لذا فان الاستهلال في الرواية( الورقة الاولى ) هو العتبة المتقدمة للكشف عن ماهية الحكاية ومكانها وحتى تاريخيتها ومن الجملة الاولى ينم اكتشاف ذلك ( ها هو المضيف الكبير المبني من القصب والبواري ينتصب شامخا وهو يسد الأفق أمام ناظري ) فهو هعنا يكشف لنا استمرار ورقة المقدمة الخارجية عن المدون والراوي بصيغة المتكلم الذي تستمر فيه العملية التدوينية على مساحة الرواية فضلا عن عملية كشف المكان من خلال تمازج المستويين الاخباري والتصويري وهي هنا قصدية لتوضيح العوامل المرتبطة بالإنتاج التدويني فضلا عن الكشف عن العوامل المرتبطة باللعبة السردية التي يبغيها الروائي ولو قرأنا الاستهلال لوجدنا انه معني بمزج هذين المستويين بصيغة الاخبار والتصوير معا ومن ثم الانطلاق لمعرفة الزمن الذي تنوع في ثلاث حالات.. الأولى زمن ماضي الماضي / الطفولة. وزمن ماضي/ مرحلة الدراية يتنوها المختلف والمتصاعد. وزمن التدوين/ الحاضر الذي يتوضح من خلال استدراك فعل التدوين لقطع استمرارية السرد واعطاء محطة التقاط لمعرفة النوايا في الزمنية التي يريدها الروائي كفعل فني لهذا التدوين. ولهذا نجد ان هذه الحالات او المحطات هي بداية الانطلاق للعتبات الزمنية ما بين الماضي بجزئيه والحاضر المفعل بالحكاية والتي تؤدي الى معرفة المكان وتوضيحه والكشف عن خلفيات الشخصية الرئيسة والمرتبطة بالبنية الكتابية في هذه الرواية اتخذت من حالتي الصراع منطقتين مرتبطتين بواصر التواجد الفعلي كبوابة فنية او عتبة فنية يبغيها الروائي. الاولى هي منطقة الصراع من خلال تكثيف الجملة المقصودة لكي يتكون علامة دالة على بدء صراع يريد المتلقي التقاطها ومن ثم السير مع فهم الحكاية والثانية المنطقة الدرامية التي تعطي مفعول منطقة الصراع مقبولية للاندفاع الى الامام. (الكل ينتظر ساعة الخلاص. أما قيام الشيخ الكبير من الفراش الموت بعد أن يتجاوزه عزرائيل الى شخص آخر، أو أن يختاره الله الى جواره) ص12 وهو هنا يجعل المتلقي يستعجل لمعرفة ماذا سيحصل وهو منطقة صراع. أو (أدار والدي راسه نحوي وقال بصوت حاول أن يكون مسموعا (تقدم قبل أقدام الشيخ الكبير) ص13 وهو هنا فعل درامي تصويري لتعظيم الصراع وفعله بمعنى تثوير الصراع لإنتاج منطقة درامية مقبولة من المتلقي. وكذلك (مر سرب من الغربان ضحى ذلك اليوم في سماء أرض القبيلة فوق رؤوس الناس) ص15 وهو هنا فعل درامي مرتبط بالدلالة المعروفة عن الغربان كشؤم أو ينذر بحصول شؤم. وأيضا (إلا أن الشيء الأكيد هو أن الشيخ الكبير قد مات بعد ان كتب للقاضي ما اوصى به، ويا هول ما اوصى به) ص16 وهنا فعل صراع لما سيأتي من علامات ما سيتم كشفه عن (الوصية) المفترضة والمؤجّجة بعد ذلك لكل ما هو واقع تحت (ما سيأتي).
ان بنية الكتابة من جهة أخرى تعتمد على تشعب المستوى الاخباري ذاته الذي يروى على لسان الراوي بتحريك من الروائية حيث يشاء ان يكون فعلا في الصراع او فاعلا في التأجيج الفعل الدرامي وهو يجمع الأثنين ليخلق عناصر تشويق تعتد على فك شيفرة الحكاية من جهة وشفرة التفتيت الزمني الثلاثي من جهة أخرى خاصة وانه اعتمد على ما يمكن ان يقول ان ما يقرأ او خدعة وما يقرا في الخدعة هو الاقع وما يمكن ان يتلقط من الواقع هو الوهم وما يمكن ان يمنحه الوهم هو استراحة ومقولتي دافنشي ( كثيرون هم الذين اتخذوا من الأوهام والمعجزات الزائفة وخداع البشر تجارة لهم .). وتلك التي انتهت فيها الرواية كورقة تحت عنوان (كلمة أخيرة والتي جاء فيها (وتنتهي بمقولة ثانية لدافنشي نفسه إذ يقول: (الجهل يعمي أبصارنا ويضللنا أيها البشر الفانون! افتحوا عيونكم!).
ان بنية الكتابة تعتد على تلاحق المفردة التي تعتمد عليها شكل الحكاية في الرواية فتم ربط المفردة في زمن الرواية كسرد حكائي لهذا اختلف الزمن في تعدده وهو ما نراه في (أخبرني والدي وكأنه يخبرني الآن) ص16 ثم (وها أنا انقل عن لسانه ما قاله والدي) ص17 انها رواية تعتمد في بنيتها الكتابية على تفتيت الفعاليات الزمنية في ذات المكان من خلال تراكم الصراع والفعل الدرامي لأنها الطريقة الاقرب ولن اقول الوحيدة في انتاج هكذا افكار لتكون رواية

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة