ما يزال لدينا أمل

عندما يجازف أي واحد منا بالإعلان ان لديه أملاً في ان تتغير الامور، يوماً، نحو الاحسن يُتهم بأن رجليه بـ»المَيْ» ليس كمن رجليه بالنار، فيلوذ بالصمت، او يكتفي بالقول: هكذا ارى.
انه الامل في تعريفاته القاموسية فان «ثورة الامل» قد تنصرف، كما يقول «اريك فروم» الى مدارات ابعد من دائرة علم الثورات الاجتماعية.. الى السايكولوجيا، مثلا، ويشاء «الدوس هاكسلي» ان يجعل في كتابه (افضل العوالم) من الامل قوة سحرية لصناعة التغيير.
باختصار، ان الامل احساس نبيل وسري باهمية مشروع الحياة الذي تتشبث به الملايين وترفض الاستسلام للتهديد والقتل العشوائي، ومواجهة سلمية وانسانية لسطوة العنف ومؤسساته، وهو تعريف لتفاعل الذات التي تستمد تفاؤلها من الرغبة الدفينة قي الاتحاد مع الموجودات الحية والتفاعل مع ضوء ساطع يرصده في النفق الطويل الذي حشر فيه العراقي على يد الرطانات المسلحة المختلفة، وهو باب قد يفضي الى الفعل الشعبي البناء والتغييري بعد سنوات ثقيلة اوصدت فيها جميع الابواب، وخوضت طوالها جميع المشاريع المعلنة في الوحل وسوء السمعة، وتصدعت خلالها صورة الكيفيات الشللية والفئوية والطائفية.
أقول، مع انه لا يمكن بيع السمك قبل اصطياده واخراجه من النهر، لكن غريزة الامل تسمح احياناً المراهنة على تحقيق امر انطلاقاً من مؤشرات بدائية له، او لما يبدو انها مؤشرات.
/ساجازف بالقول ان الغبار الخانق، المسموم، التخريبي، الذي اطلقه داعش انتهى الى خلق نقيضه: خصومة مجتمعية مع الارهاب، تتبلور على شكل»امل» ينشق من افئدة الملايين ويتدفق، مع كفاية من المشاهد الحية لهزيمة العصابات والهمجية غب آخر معاقلها، وإن بمكابدة، في تعاطٍ بليغ مع الحياة اليومية، وتحدٍ (احيانا انفعالي) للمخاطر الامنية، وحرص على اشاعة الاسترخاء في نقاط تماس كانت مرشحة للتوتر، ويظهر هذا الامل العفوي في نأي الشارع عن شعارات التجييش التي كانت تطلق غداة كل هزة امنية.
/نسائم التفاؤل هذه، قد تكون ممارسة غريزية فارّة من احتباس شديد في الحياة بين السواتر الكونكريتية، أو هي رجاء يائس مكبوت ناتج عن مكابدات العيش وازمات الخدمات وعواصف الصراعات السياسية والطائفية، وربما لا تعدو عن كونها امنية مجانية تلقى على قارعة الطريق، أو جرعة من التهدئة الخادعة يداري الناس بها دوامة الاخطار والتفجيرات وليالي الرعب والجثث والموت، وغارات الكوابيس والضغوط.
/مثل هذا الامل، في كل الاحوال، غير قابل للتوظيف، لا للحكومات او لاية مؤسسة سياسية، وليس هو حصيلة لمنّة جهة او تكية، كما انه ليس معادلة رياضية تنطلق من افتراض استُهلك: لايصح إلا الصحيح، بل هو معادلة تاريخية تؤكد قوة احكام التراكم وجدارة التشبث بالحياة,
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة