في المتوالية القصصية.. من أجل رفع اللبس

الجزء الثاني

د.ثائر العذاري

ثالثا: مشاكل الترجمة
لم يكتب عن المتوالية القصصية نظريا شيء بالعربية سوى بحث لوشر السابق الذكر الذي ترجمه د.خيري دومة ومقالاتي في الموضوع، ولذلك ينبغي لمن يتصدى لدراستها أن يرجع للمراجع الإنكليزية أو ما كتب بلغات أوربية أخرى، أما العودة للكتب المترجمة فتوقع من يعتمدها بالوهم والخطأ، وليس هذا بسبب المترجمين، بل المنظومة النقدية العربية التي لم تجد وسيلة للاتفاق على المصطلحات، وهذا ما حدث غير مرة مع الدكتورة هناوي وأشير هنا إلى ثلاثة مواطن.
أما الأول فإنها في مقالها سالف الذكر في القدس العربي تذهب بعيدا في طريق خاطئ، وتنهي مقالها كالعادة باتهامي تلميحا بالتخلف والانكفاء، والحقيقة أن مقالها ينطبق عليه المثل الشعبي (يريك قمحا ويبيعك شعيرا)، ذلك أنها اعتمدت كتاب والاس مارتن نظريات السرد الحديثة الذي ترجمته د.حياة جاسم محمد، والكتاب لا علاقة له إطلاقا بالمتوالية القصصية، ويتحدث الجزء الذي أشارت إليه عن فكرة طورها مارتن من عمل بروب، فهو يرى أن تفكيك كل الحكايات سيصل بنا إلى اكتشاف أن هناك جملا تتكرر في النصوص بما يشبه وحدات بروب الوظيفية.
وسبب الالتباس عند الدكتورة هو أن د.حياة ترجمت عبارة narrative sequences (التي استعملها مارتن كما يتضح في الصورة رقم ١) متواليات سردية، ولو أنها ترجمتها سلاسل سردية أو تراتب سردي لما وقع هذا اللبس. وفي مقال تال نشر في الصباح يوم ٣/٢/٢٠١٩ قالت د.نادية:» ناهيك عن كون مفردة (المتوالية) في اللغة الانجليزية واحدة، سواء أُضيفت إليها صفة السردية أو أضيفت إليها القصصية لإنها تبقىthe narrative sequence» وهذا يعني أيضا أن متوالية قصصية وسردية وحسابية وهندسية وكهربائية كلها واحد. إن تأملا بسيطا لعبارة الدكتورة نادية يبين أنها لا تعرف في لحظة كتابتها لهذا المقال ما المقصود بالمتوالية القصصية التي لها أسماء عديدة ليس من بينها أبدا متوالية سردية narrative sequence ولم يستعمل أي ناقد في العالم هذا التعبير لوصفها، وفيما يتعلق بي فأنا لم أستعمل قط التعبير متوالية سردية لأني أعلم أنها شيء آخر لا علاقة له بالمتوالية القصصية على أنها ستغير رأيها في مقال تال.
أما الموطن الثاني فهو اعتمادها على كتاب السيمياء والتأويل لروبرت شولز الذي ترجمه سعيد الغانمي، حيث ينقل شولز عن تودوروف حديثه عن توالي الصفات والأفعال في قصة واحدة، وجاء في الكتاب: «لكن ما القصة؟ يساعدنا تودوروف على الدقة في الإجابة عن هذا السؤال. القصة هي نوع من توالي القضايا. والقضايا القصصية على نوعين: الصفات والأفعال. وأهم متوالية قصصية هي الصفة….» ص١٥١
والنص في النسخة الأصلية مبين في الصورة رقم ٢
But what is a story?Todorou will help us be precise in answering
that question, A story is a certain kind of sequence of propositions
Fictional propositions are of two kinds: attributions and actions.
The most fundamental fictional sequence is attribution

فقد استعمل شولز كلمة fictional التي ترجمها المترجم قصصي وهي ليست كذلك فهذه من الكلمات الملبسة التي تستعمل بمعان عدة ليس من بينها كلمة قصة، فهي في الأصل تعني الخيال، ثم تطورت لتدل على أي نص نثري متخيل، وتستعمل أحيانا بمعنى رواية أو سرد، وفي هذا النص تحديدا استعملها شولز بمعنى سردي، وفي كل الأحوال فالنص لا يتعلق من قريب ولا من بعيد بالمتوالية القصصية.
وفيما بعد نشرت د.هناوي مقالا في ثقافية المدى في ٣/٢/٢٠١٩ ناقضت فيه كلامها السابق، فبعد الردح والشتيمة المعتادة التي وجهتها لي هذه المرة تصريحا لا تلميحا تقول «وحقيقة الأمر إني لم أركن إلى ترجمة الباحث سعيد الغانمي، بل عدت إلى المراجع الإنجليزية ذاتها فلم أجد فيها مصطلح المتوالية القصصية بل وجدت مصطلحي الدورة والحلقة.»
وهي هنا تنسى أمرين مهمين؛ أولهما أنها وضعت رقم الصفحة في كتاب الغانمي في مقالها ١٥٢ بينما هي في النص الإنكليزي ٨٩، وثانيهما إن بحث لوشر الذي طالما ذكرته عنوانه المتوالية القصصية بوصفها كتابا مفتوحا ولم يقل حلقة القص.
أما الموطن الثالث فما جاء في مقالها الأخير في الصباح الجديد حيث رأت أن روبرت شولز بحث في أصول النص القصصي القصير في بحثه المنشور في كتاب د.خيري دومة. وعلى الرغم من أنني لا أدري ما علاقة هذا بالمتوالية القصصية وسبب حشره في المقال، فإن شولز لم يكن يتحدث عن أصول القص القصير بل عن آليات الشكلانيين والبنيويين في التحليل السردي، فلو كانت الدكتورة قد كلفت نفسها ونظرت إلى العنوان الإنكليزي الذي أثبته د.دومة لاكتشفت أن المشكلة في الترجمة (صورة رقم ٣) فشولز يستعمل مفردة fiction التي أشرنا إليها قبل قليل وهي هنا تعني السرد لا القص القصير كما ظنت.
إن من يقرأ مقالات د.نادية هناوي في الموضوع يكتشف بسهولة عدم ثباتها على رأي والتباس المصطلحات لديها واتخام مقالاتها بمقولات لا تمت بصلة إلى الموضوع.
بعد هذا يمكنني الدخول في صلب الخلاف ولأبدأ بمفهوم المتوالية القصصية، فهذا الاسم هو الذي استعمله الكتاب العرب لتجنيس أعمالهم في مقابل short story sequence عند الانكليز وshort story cycle عند الأمريكان، وهذه التسميات الثلاث وهناك أخرى غيرها مما لم يشع تدل على مسمى واحد هو ما سنعرفه الآن.
المتوالية القصصية هي كتاب يضم مجموعة من القصص القصيرة ترتبط ببعضها بروابط يحددها الكاتب، فمثلا يمكن أن تحدث القصص جميعا في مكان واحد، أو تتمحور القصص كلها حول شخصية واحدة، أو تشترك القصص جميعا بثيمة محددة….الخ. وكلما ازدادت الروابط بين القصص أصبح الكتاب أكثر اقترابا من كونه مشروعا قصصيا واحدا، ولهذا تقع المتوالية القصصية بين الرواية والقصة القصيرة شأنها في ذلك شأن القصة الطويلة والرواية القصيرة أو النوفيلا، وفي الانكليزية يستعمل بعض النقاد مصطلح (sub-genre الجنس الفرعي) لوصف هذه الأجناس السردية.
ولكي يكون العمل متوالية قصصية ينبغي أن تتوفر فيه شروط عدة هي:
• أن تكون المتوالية القصصية كتابا يتضمن مجموعة قصص تكون نظاما مغلقا له بداية ونهاية. ولهذا لا يمكن أن نعد عمل الاستاذ جاسم عاصي المهم متوالية قصصية بالمعنى الحالي. فالمتوالية ليست قصتين تنشر في مجلة أو صحيفة تباعا.
• لابد أن تشترك القصص بثلاث سمات أسلوبية توسعت في دراستها جنيفر سميث بطريقة تطبيقية، وهي النغمة التي يقصد بها السمات اللغوية للقصة، كأن تكون لغة ساخرة أو بسيطة أو معقدة أو حزينة أو غير هذا مما يشبهه. والثانية هي الشكل القصصي من حيث التعامل مع الزمن وطريقة الاستهلال والنهاية. والثالثة هي المنظور أو الموقف من العالم والوجود، الذي يجب أن يكون واحدا في كل القصص.
• لابد أن تكون الروابط بين القصص واضحة ومقصودة لكنها لا تخل بكون كل قصة وحدة نصية مستقلة، على أن تؤدي قراءة الكتاب كاملا إلى أثر يختلف عن الأثر الذي تتركه كل قصة منفردة.

هذا هو مفهوم المتوالية بعبارات جلية من غير تمحل ولا تعقيد ولا فذلكة ولا إدراج لأسماء بالحروف اللاتينية ولا تشويش بمقولات نظرية بعيدة عن الموضوع. وواضح أن هذا الفهم لا علاقة له بكل ما جاء في مقالات الدكتورة هناوي التي أحمل كل الاحترام لقلمها.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة