الجوائز الأدبية.. بين جوقة الاحتفاء والمصداقية

تونس – هدى الهرمي:

لطالما كان الاهتمام بالمسابقات الادبية منقطع النظير وزاخرا باستقطاب المبدعين والمهتمين بالشأن الادبي بمختلف اجناسه كالرواية والقصة القصيرة والشعر، غير ان الجانب الاكبر يظل مُخصصا للسرد وتتنوّع الجوائز تبعا لذلك مما يجعل الكثير تحت وطأة شروطها ومعاييرها التي تتعاظم مع رهان الفوز واشكالية الرفض.
لكن في خضم هذا الزخم الوافد تحت راية الابداع، هل ان رصد الجوائز يُنصف المؤلفات المشاركة ام انه ينحاز الى جوقة تنحرف بالجائزة الى وجهة مغايرة، لا تمتّ الى التميّز بأي صلة بل تجتثّه من اصوله ليغدو باهتا في بؤرة النشاز، امام الابهار المُوكل الى زيف التتويج لاغراض اخرى تُشوّه مقاصد الابداع ككل.

الجوائز ودورها في تحفيز الابداع
لقد ظهرت جائزة «البوكر» في نسختها العرببة لتخطف الاضواء من جائزة «نجيب محفوظ» وقيمتها 50 ألف دولار، وتأسست سنة 2007 في الامارات العربية المتحدة وبدعم من مؤسسة جائزة بوكر البريطانية، وهي تمنح الجائزة في مجال الرواية حصرا، ثم ظهرت جائزة كتارا عبر سخاء غير مسبوق، اضافة الى ترجمة العمل الفائز وتحويله الى عمل سينمائي، فاوجدت لهفة جديدة لدى كل من يكتب للبحث عن الفوز والتفرّد، وأصبح الجميع ينتظر اعلان القوائم واسم الكاتب المتوّج.
وفي هذا السياق عرفت المسابقات الادبية اهتماما بالغا لتشحذ همّة الكثيرين من المبدعين في المشاركة بمقدرة استثنائية في التعاطي مع هذا الحدث الاحتفالي خصوصا في مجال الرواية، ويوجد في دول العالم ما يقارب على 500 جائزة ادبية معروفة ذات تاريخ متواصل و مُخصّص لكل انواع الابداع، اضافة الى النقد وادب الاطفال، وتتنوّع الجوائز تبعا لذلك بحسب موطنها ولغتها ومعاييرها وقيمتها بدءا من جائزة نوبل للآداب 1901، وهي الأشهر والاضخم و التي تبلغ مكافاتها ما يزيد على مليون يورو الى جائزة اكوتاغوا اليابانية 1935 ثم الى اقصى الغرب لنجد جائزة الاكاديمية الامريكية للفنون و الاداب و التي تأسست سنة 1915.
ويتفق الكثير من الادباء والنقاد على قيمة الجوائز في تشجيع الكتابة الروائية ودعم المؤلفات الادبية والترويج لها وزيادة مبيعاتها وبالتالي التحفيز للقراءة وهي مثلما أكد الروائي العراقي محسن الرملي:
«انها تخدم الكاتب والناشر من حيث مردودها المعنوي والإعلاني والمادي كما تخدم القارىء كونها تنبّهه الى اعمال ربما ما كان لينتبه اليها لولا الجائزة و بالتالي فإن الجوائز ايجابية للأدب والثقافة بشكل عامّ»
إذا فرصد الجوائز للاعمال الأدبية أيّا كان الموقف من جنس العمل وجودته، وما يصاحبه من اللغط الاعلامي، يُزّخم الفضاء الثقافي بكثير من النقاشات التي قد تخدم الاهتمام الفكري والأدبي لدى الجيل الواعد.
و قد يكون المناخ العام بدوره عاملا اساسيا في الدفع بعنوان معين الى الواجهة مثل التأثّر بمشهد سياسي ما او مخاض اجتماعي يؤطر الاقلام لترجمة ذلك بمؤلفات تقترن بالاحداث العامة مما يؤهلها للاحتفاء بها.

الجوائز الادبية بين الصواب والانحراف
على الرغم من نجاح بعض المُؤلفّات اعلاميا وجماهيريا ونيلها اعتراف الجهات الرسمية، لا يمكن وصف تلك الاعمال بأنها الأفضل والأجود من غيرها في الساحة الثقافية. كما ان التّعاطي مع الجوائز لا يخلو من تأويلات وبحث عن مقاصد خفيّة تكمن في مضمون اختيار الفائزين وآليات التتويج المُتّبعة. اضافة الى تشويش وتوجيه افكار الأدباء فصار كلّ همّهم تلبية شروط الجائزة والفوز للصّعود على المنّصة.
ومن مظاهر التهافُت على الجوائز الأدبية ترّدد اسماء معروفة سنة بعد سنة على حساب الاسماء الجديدة واقصائها بطرق غير مباشرة.
تقول الشاعرة والاعلامية البحرينية بروين حبيب « مثل المُصاب بحمّى وما عاد يهمّه الا نفسه، نعيش هلوسات الجوائز التي تُمنح هنا وهناك وبأسماء مختلفة…اسماء نعرفها واسماء لا نعرفها. أعمال تستحق و اخرى لا تستحق و اكثرها لا يستحق…» و ان كانت بروين من لجمة تحكيم البوكر تنظر الى هؤلاء الادباء هذه النظرة فكيف ينظر هؤلاء الى لجنة التحكيم ؟
لا تخلو نتائج المسابقات الادبية من التشكيك بها وقد وُجهّت عديد الانتقادات والتُهم الى لجان التحكيم الذي يذهب البعض الى حدّ وصف هذه اللجان بالمتواطئة مع بعض الأسماء نتيجة تردد اسماء بلدان دوم غيرها في القوائم الطويلة والقصيرة وفوزها الدائم مقارنة باخفاق مستمر لبلدان اخرى.
وبالتالي قد تنزلق المسابقات الادبية الى اهواء مغايرة عن مسارها الصحيح، وتغدو تحت طائل المعاملات الخاصة والمعايير المنحرفة عن جذوة الصواب، مما يؤثر سلبا في قيمة الجوائز من الناحية الابداعية، فقد تكون المُؤلفات الفائزة أفضل ما تراه لجان التحكيم، لكن ليست بالضرورة هي أفضل الاعمال في الوطن العربي. فهناك العديد من الاقلام الواعدة و المُبهرة التي تستحق الاشادة بها و دخولها في غمار المسابقات حتى ينتبه اليها المتلقي و تأخذ قسطا من التواجد العربي في المشهد الثقافي كخطوة هامة للابداع.

ثيمة الجوائز في
حركة النهوض بالثقافة
لقد أوجدت الجوائز بمختلف اجناسها الادبية حركة ابداعية متجددة، ترنو لارساء نتاج ثقافي مُتفرّد يسعى نحو بلورة تطلعات مُستقبلية للابداع و ضمانا لترسيخ الادب العربي الروائي خصوصا، و ترجمته الى لغات العالم و بذلك تتجلّى لنا
ثيمة المسابقات فكل تنافس بقطع النظر عن مصداقيته يظل كحافز للابتكار والابداع، رغم الولاءات السياسية للمثقف العربي واحتكاره احيانا تحت مسميات اخرى، ممّا يُضيّق الخناق على تلك التجليّات الحرة في التعاطي مع الابداع
و يجعلها تحت طائل التوجيه.
لكن لا يمكن انكار ذلك التلاشي السريع للاعمال الفائزة رغم جوقة الاحتفاء بالمُتوّجين وتكريمهم حتى وان كانت جديرة بكل المقاييس المعتمدة من ابداع وجهد وخدمة للأدب حسب النقاد والإعلاميين، فهل يُعدّ هذا الامر ترجمة لواقعنا الثقافي ام انه ينحاز عن جهة المصداقية مما يؤثر سلبا في معيار الابداع والتشكيك في رسالته كواجهة بارزة لرقي المجتمع؟

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة