مهند عبد الحميد
مضى على حرب اليمن ثلاث سنوات وثمانية أشهر، وكانت قد اندلعت عندما بادرت قوات التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية بالهجوم على اليمن تحت مسمى «عاصفة الحزم» تيمناً بالهجوم الأميركي على الجيش العراقي عام 1991 تحت مسمى «عاصفة الصحراء».
أرادت واعتقدت قوات التحالف ان المعركة ستكون خاطفة وسهلة، وسرعان ما أعلنت عن انتهاء العملية، لكن الحرب تواصلت فيما يشبه حربا مفتوحة لا يوجد فيها منتصر ولا مهزوم. غير أن هذه الحرب لم تكن وليدة لحظة الهجوم السعودي بل كانت امتدادا للصراع داخل اليمن وفي الإقليم، في سباق محموم عنوانه من يسيطر على اليمن من بين المركزين الإقليميين المتصارعين السعودية وايران. حرب اليمن لم تكن حربا أهلية، فقد توافق السواد الأعظم من الشعب اليمني في انتفاضته الشعبية السلمية الكبرى والطويلة على تغيير نظام علي عبد الله صالح الدكتاتوري المستبد والعائلي.
منذ خرج الشعب اليمني بأكثريته تحت شعار ارحل، بدأت التدخلات الاقليمية لقطع الطريق على انتصار الديمقراطية وانقاذ النظام المستبد والحفاظ عليه كحليف تاريخي للمملكة مع ادخال بعض التعديلات الشكلية على تركيبته بغية اخماد الانتفاضة الشعبية المنظمة. وفي الجهة الاخرى حرص المركز الاقليمي الايراني على تعزيز نفوذه عبر شكل السيطرة المليشياوي العسكري الذي تتبعه ايران كأداة لسيطرتها ومد نفوذها في المنطقة، فكانت حركة الحوثيين هي العنوان. وقد رجحت كفة تدخل المركز الايراني من خلال حسم السيطرة على السلطة عبر صفقة -غادرة للثورة- مع الرئيس المخلوع صالح، في مواجهة جناح النظام الأضعف ممثلا بعبد ربه منصور هادي الذي اتكأت عليه السعودية للسيطرة على اليمن. واحترب القطبان اليمنيان التابعان للمركزين بغية السيطرة على البلد، بعد ان تخلصا من الانتفاضة الشعبية بصفقة تغيير سعودية شكلية، وكانت الغلبة للقطب المدعوم من ايران، ما دفع السعودية لشن الحرب في محاولة للحسم وفرض السيطرة بالقوة.
وإذا كان الشعب اليمني قد فرض عليه دفع انتفاضته ثمنا لإعادة بناء نظام تابع للمركز الإقليمي السعودي، فقد جاء الحسم من قبل تحالف الحوثيين مع جيش على عبد الله صالح والقبائل الموالية له لمصلحة المركز الإقليمي الإيراني ضد إرادة اليمنيين وانتفاضتهم، ليدخل الصراع مرحلة دموية جديدة في أعقاب إعلان الحرب ومحاولة الحسم العسكري السعودية المدعومة أميركيا، وليدفع الشعب اليمني الثمن مضاعفا جراء هذا النوع من الصراع الذي لا ناقة له فيه ولا جمل، فأيا كان الطرف المنتصر، سيكون ذلك على حساب حرية اليمنيين وحقهم في تقرير مصيرهم وفي اختيار نظامهم السياسي بدون تدخل خارجي. خسارة الشعب اليمني كانت متوقعة، لأنه سبقها خسارة شعوب انتفضت على انظمتها المستبدة، وجاءت التدخلات الخارجية من مراكز اقليمية ودولية مدعمة بمليارات الدولارات بلا حدود لتنتصر للأنظمة المستبدة وتحول دون انتصار الديمقراطية والانتقال الى شكل جديد من نظام الحكم الديمقراطي، بدلا من النظام الوراثي العائلي المستبد.
ومن يدقق في الواقع اليمني وما صنعته حرب النفوذ الإقليمي، سيكتشف أهوالاً وكوارث بلا حدود. فبحسب تقارير المنظمات الدولية، قتل وأصيب اكثر من 60 الف يمني أكثريتهم من الأبرياء، بينهم 5 آلاف طفل قتلوا او أصيبوا. يقول تقرير لليونسيف ان 1.8 مليون طفل يمني يعانون من سوء التغذية الحاد ويواجه 400 الف طفل خطر الموت جوعا. و70% من أطفال اليمن يعيشون مع أسرهم تحت خط الفقر، ويشكل الأطفال نصف عدد المشردين عن بيوتهم والبالغ 2.9 مليون مشرد ونازح، وحرمت الحرب مليوني طفل من مدارسهم وقد دمرت 256 مدرسة وتوزعت مئات المدارس بين مراكز لإيواء اللاجئين ومراكز للمليشيات. وتقدر خسائر البنية التحتية بـ 230 مليار دولار التي تتضمن (مطارات وموانئ وجسور وطرق ومحطات كهرباء ومستشفيات ومدارس، وشبكات مياه واتصال ومصانع ومنشآت حكومية). وفي ظل حرب التدمير انتشرت الامراض الخطيرة كمرض الكوليرا ليهدد بالفتك نصف مليون يمني، ومرض الدفتيريا (الخناق) الذي يهدد بإصابة مليون طفل يمني بحسب منظمة «أنقذوا الاطفال» البريطانية.
كَشْفُ الموت والمعاناة والبؤس والدمار يطول، ويؤكد على مأساة ومحنة الشعب اليمني الذي يقاتل به المركزان الاقليميان، ويدفعانه الثمن، وكأن لسان حالهما يقول سنقاتل حتى آخر يمني. لم تخسر قوات التحالف بقيادة السعودية التي تدمر اليمن إلا النزر القليل، ولا تخسر ايران الداعمة لمليشيا الحوثيين الطائفية شيئاً. وحدهم اليمنيون يموتون ويشردون ويجوعون في سبيل سيطرة هذا الطرف او ذاك، والمفارقة ان أياً من السيطرتين لن يجلب السمن والعسل للشعب اليمني. لن يتغير تقسيم الأدوار المأخوذ به منذ ما يقرب من اربع سنوات وهو: «الموت لليمنيين والسيطرة لأسياد الحرب» بعد الحرب وفي حالة حسم احد الأطراف او في حالة تقاسم النفوذ بين الأسياد.
أغرب شيء هو اللا مبالاة العربية الرسمية والشعبية، واللا مبالاة الدولية إزاء مأساة بلد عريق وشعب عريق يتعرضان للدمار والموت والاستباحة. كل الجرائم والموت والكوليرا والمجاعة وتوقف التعليم، كل هذا لم يحرك ساكنا في النظام الدولي، الذي تتسابق دوله على تزويد قوات التحالف بالأسلحة والصواريخ والقنابل، وتبرم إدارة ترامب صفقات الأسلحة المتطورة لقاء المليارات دون اكتراث بارتكاب جرائم حرب وباستمرار نزيف الدم، وباستمرار الحرب، ما يجعلها وكل الشركاء في بيع السلاح شركاء في جرائم الحرب. وفي هذه المرة يسقط النظام الدولي بمجلسه ورئيسه ومؤسساته سقوطاً اخلاقياً وسياسياً مدوياً، وهو يشكل الغطاء السياسي لحرب تقتل اليمنيين وتدمر وطنهم، ويسكت على جرائم الحرب. وبالمقارنة فقد أحدثت جريمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي اهتماماً كبيراً وصل الى حد إعادة النظر بصفقات السلاح الاميركية المبرمة مع السعودية، وهو ما لم يحدثه موت اليمنيين ومأساتهم الانسانية التي تشكل جريمة أكبر وأشمل. مأساة اليمن واليمنيين اسقطت أيضا الاعلام العربي والاعلاميين والمستوى الثقافي والقوى اليسارية وكل من لم يرفع الصوت عالياً وظل شاهد زور على الجرائم ولم ينتصر للشعب اليمني.
لماذا لا يتحول مطلب وقف هذه الحرب البشعة دون قيد او شرط مطلباً مشرعاً في الخطاب الإعلامي والسياسي والجماهيري على الصعيد العربي والعالمي، الى ان يتحول الى قوة ضغط فاعلة لوقف الحرب وجرائمها، ولوقف التدخل من جميع الأطراف، وتمكين الشعب اليمني من تقرير مصيره دون وصاية. دعوا الشعب اليمني يعيش ويقرر.
ينشر بالاتفاق مع جريدة الأيام الفلسطينية