عبد الرضا عليّ
ظهر هذا الكتاب في طبعتِهِ الأولى في العام 1978م،أي قبلَ ما يقربُ من أربعينَ عاماً، وكانت دارُ الشؤونِ الثقافيّةِ العامَّة ببغدادَ قد اختارتهُ ضمنَ مجموعةٍ من الكتبِ ليتمَّ طبعُها في فرنسا دونَ علمي، وتشاءُ المصادفةُ أنْ تجمعني بممثِّل الشركةِ التي كُلِّفت بطباعتهِ في أثناء زيارتي لدارِ الشؤونِ الثقافيّة ( التي كانت بنايتُها تقعُ في البابِ المعظَّم مع المكتبةِ العامّةِ) وكانَ هذا الرجلُ على عُجالةٍ من أمرهِ ، وهو يحملُ تلك الكتب َ المختارة، فرجوتهُ التريُّثَ قليلاً، ودلفتُ إلى صالةٍِ أقيمَ فيها معرضٌ تشكيليٌّ، فتبعني إليها، ولم نجد أحداً غير اللوحات المختلفة الأحجام، لأنَّ دوامَ الموظفين قد أوشكَ على الانتهاء، فالتقطتُ من المعرضِ لوحةً معبّرةً صغيرةً لتكونَ غلافاً للكتابِ، ودوَّنتُ في ظهرها اسمَ صاحبةِ المعرضِ ((لم أعدْ أتذكّرُه الآن))، واتّفقنا على أن يُشيرَ الطبّاعُ إلى صاحبةِ اللوحةِ في المكان المناسبِ ضمن المعلومات الخاصّة بالطباعة، لكنه للأسفِ لم يفعلْ، وظهر الكتابُ خلواً من اسمها الذي أظنُّهُ كان (( نهلة)) أو قريباً منه، لهذا أجدُ من الأمانةِ العلميّةِ أن أقدِّم لها هذا الاعتذار المتأخِّر بعد هذه العقودِ الأربعةِ العجاف.
أمّا طبعتُه الثانية فقد كانت في العام 1984م، حين اتَّفقت معي دارُ نشرٍ على إعادةِ طبعهِ ثانيةً، لكنَّها للأسف لم تقمْ بطباعتهِ، إنّما اكتفتْ بتصويرهِ ليس غير، وظلت تصوِّرهُ وتبيعهُ طوال ثلاثةٍ وثلاثين عاماً ( منذُ 1984 حتى هذه الساعة) فبقيتْ أخطاءُ طبعتِهِ الأولى هي هي، لأنَّ الطبعة الأولى كانت خارج العراق، وأنَّ المطبعةَ هناك تكفَّلتْ بمراجعتهِ، وتصويب أخطائهِ الطباعيّة دون أن يكون لي، أو لدار الشؤون الثقافيّة شأنٌ في ذلك.
ومرَّتِ الأعوامُ، فأدركتُ أنْ لابدَّ من إعادةِ طبعهِ مجدّداً كي أنقيَهُ من أخطاءِ الطباعةِ، وأضيفَ إليهِ مُلحقاً يسدُّ نقصاً يدخلُ في بابِ النقدِ الثقافيِّ حصراً، بعدَ أنْ كان الكتابُ قائماً على النقدِ الفنّيِّ في توظيفِ الأسطورةِ أصولاً، ومقاصدَ على وفقِ رؤيةِ صنّاعها الذين هيَّؤوها لتكونَ بوتقةً فسّروا فيها نظرتهم إلى الحياةِ، وما فيها من ظواهرَ كونيَّةٍ، وكيفَ نظر إليها السيّاب نظرةً مغايرةً خالفتْ نظرتَهم البدائيّةَ في تفسيرِهِ للحياةِ في كونٍ مضطربٍ يعجُّ بالمنازعاتِ والحروب.
إنَّ هذا المضافَ ((الذي سيكونُ ملحقاً)) مهمُّ جدّاً في معرفةِ السيَّابِ إنساناً، وشاعراً، وقد أطلقنا عليهِ تسميةِ (( السيّابُ يتحدَّثُ عن تجربتهِ – توليفٌ ودراسة))، وجعلنا مقدِّمةَ التوليفِ تُعنى بعوالمِ تلك التجربة منذُ أنْ ابتدأ شاعرُها أولى خطواتهِ، حتى نبوغهِ الذي وصلَ إلى كتابةِ القصيدةِ الأنموذجِ .
ونظنُّ كلَّ الظنِّ أنَّ هذا ((التوليفَ)) سيساعد في سدِّ النقصّ المعرفيَّ الذي تشكو منه بعض الدراساتِ التي كُتِبتْ عن السيَّاب، إنْ لم يكنْ هو وحدَهُ كافياً لفهمِه كما ينبغي مبدعاً، وإنساناً، شاكرينَ من أعاننا على إظهار هذا الكتاب بهذه الطبعة المزيدة المنقّحة.