المادة 4 تسكع

نقلت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي خبر وفاة الشاب حسين مازن من أهالي الديوانية يوم الجمعة المصادف 5/5/2017، بعد أن اعتقلته إحدى مفارز شرطة كربلاء بتهمة “التسكع” حسب تصريح الناطق الرسمي باسم شرطة كربلاء، وبسبب عدم اصطحابه هوية الأحوال المدنية وفقاً لرواية شقيق المتوفى، مما عرّضه الى تعذيب شديد من قبل عناصر الشرطة التي نقلته الى مستشفى الهندية متوفياً وفقاً لرواية إدارة المشفى، نافية بذلك رواية الشرطة التي زعمت وفاته في المستشفى في أثناء علاجه من وعكته الصحية. تفصيلات الحادثة ما زالت غير واضحة وسط هذا التضارب بالروايات بين جهتين رسميتين (الشرطة والمستشفى) وكذلك رواية شقيق المتوفى. لكنني شخصياً أرجح حدوث مثل هذه التصرفات والسلوكيات المشينة من قبل عناصر من هذه المؤسسة (الشرطة) والتي لم تحظى بالاهتمام اللازم من قبل السلطات العليا في بلد يفترض أنه يستند لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. لقد عشت شخصياً حادثة مشابهة مع مفرزة لشرطة النجدة كانت قد اعتقلت ابني “منهل” ذو الستة عشر عاماً ومن منطقة سكناه بحجة عدم اصطحابه لهوية الاحوال المدنية، وعندما لحقت بهم والدته الى المخفر الذي نقلوه إليه حاملة وثائقه الثبوتية لم يطلقوا سراحه بكل صلافة متذرعين بأنهم سيعرضوه غداً على قاضي التحقيق المعني، ومن دون أدنى احترام لوالدته وقلقها، وعندما اتصلوا بي وعرفت بما جرى لهم، اتصلت بصديق لي وهو ضابط كبير، اتصل بدوره بقائد النجدة آنذاك، والذي بعث ضابطا من طرفه الى ذلك المخفر، ليتم إطلاق سراحه، وعندما كتبت عن ذلك حينها، رد المكتب الإعلامي للنجدة بشكل بعيد عن المجريات الفعلية لذلك الحدث. تلك التجربة وغيرها الكثير تدعونا الى التوقف الجدي والمسؤول أمام مثل هذه السلوكيات التي تشكل خطراً كبيراً على أمن البلد ووشائج العلاقة والثقة بهذه المؤسسات الموجودة أصلاً لخدمة الناس لا الاعتداء عليهم وانتهاك حقوقهم وكرامتهم، كما يحدث في غير مكان مع مثل هذه العناصر المنفلتة والتي تنخرط في تشكيلات الشرطة والأمن لغايات في نفسها وشخصيتها غير السوية.
قد يبدو اهتمامنا بمثل هذه القضايا والانتهاكات السافرة التي ترتكبها هذه المؤسسات الحكومية؛ عبثياً وبلا جدوى وسط هذه المناخات من اللا أبالية والتسويف المهيمنة على المشهد الراهن، حيث الفشل والعجز بمواجهتها هما السائدان، بهمة اللجان التي تشكل لا من أجل كشف الحقائق ومحاسبة المسؤول عن تلك الانتهاكات والجرائم، بل هي غالباً ما تؤدي دور العقار المسكن حتى يقوم الزمن بأداء دوره مع ذاكرتنا التي أدمنت على النسيان بوصفه نعمة وهبتنا إياها الأقدار. مثل هذه الآراء المتشائمة تستند الى مشوار طويل من المحاولات الفاشلة والعاجزة عن إصلاح هذا الحطام من المؤسسات القديمة التي أعيد ترميمها وفقاً لمعايير وتقاليد نمت وترسخت تحت رعاية أنظمة كانت تنظر لغير المنتمين لمنظوماتها القمعية بوصفهم متهمين الى أن يثبت العكس. بغض النظر عن التفصيلات الفعلية لمأساة الشاب المتوفى حسين مازن، والتي من غير المتوقع الحصول عليها وفقاً للتجارب السابقة في هذا المجال، إلا أننا هذه المرة نرفع أيدينا الى السماء عسى أن تستعمل قدراتها لإيقاظ طنطل المدعي العام ومكاتبه المستلقية في جميع المحافظات العراقية، عسى أن يلتفت لواجباته الدستورية في ردع مثل هذه الطقوس المشينة التي تبيح الاعتقالات العشوائية والمنفلتة تحت ذريعة التسكع..؟!
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة