جولات الشقاق والوفاق ومستقبل جنوب السودان

نسرين الصباحي

بعد أقل من عامين من استقلال جنوب السودان عن السودان في عام 2011، اندلعت اشتباكات بين القوات الموالية للسيد سلفاكير ومن يدعمون رياك مشار، واندلعت الاشتباكات في حرب أهلية قسمت البلاد على أسس عرقية، حيث دعمت الأغلبية من الدينكا السيد كير، في حين تحالفت النوير مع مشار.
تم الاحتفال باتفاق السلام في 31 تشرين الأول أكتوبر 2018، المُوقع في الثاني عشر من أيلول سبتمبر 2018 في أديس ابابا، وعلى هامش هذا الاحتفال تم عودة مشار منذ أكثر من عامين لتطبيق اتفاق السلام المنعقد، أطلق سراح المتعلقين السياسيين ( جو العفو من الاحتفال بالاتفاق )، وكان هناك حضور النوعي من خمسة رؤساء أفارقة . فأنهى هذا الاتفاق سنوات من الحرب وإراقة الدماء والمعاناة لشعب جنوب السودان، وحسب الممثل العام للأمم المتحدة في جنوب السودان، « ديفيد شيرر «، أن هناك إشارة للوحدة من رؤية الأطراف التي سبق أن قسمت بسبب الصراع، تجتمع الآن في جوبا، الثقة بوصفها خطوة أساسية للمضي قدماً . (1)
وفقاً لما سبق، نحن بصدد توضيح: عيوب الاتفاقيات السابقة، القضايا الخلافية (السلطة والثروة)؟ هل هناك دور مصري بانجاز السلام في جنوب السودان ؟ وهل تجاوز أصعب ملفات الصراع أم مازال ؟ وماهي مدى جدية جنوب السودان للسلام؟ وهل حدث توافقات جديدة؟ وهل هناك ضامن دولي وإقليمي لاتفاق السلام؟ ما مستقبل هذا الاتفاق ؟ ماذا في حالة فشل الاتفاق؟ وهل يصمد الاتفاق هذه المرة ؟
أولاً – محطات الأزمة .. ضرورة تدخل السودان وهيئة الإيجاد
تموز يوليو عام 2011: الانفصال، كانون الأول ديسمبر. عام 2013: حرب أهلية وصراع بين سلفاكير ورياك مشار. عام 2014: مفاوضات بين الجانبين في أديس ابابا من دون جدوى. عام 2015: توقيع اتفاق سلام بوساطة دولية، عام 2016 إقالة رياك مشار وفراراه إلى الكونغو، في أيار مايو عام2017 إعلان سلفاكير وقف إطلاق النار. اب أغسطس عام 2018: إعلان اتفاق بالأحرف الأولي في الخرطوم، سبتمبر عام 2018: اتفاق سلام نهائي في أديس ابابا لا نهاء الحرب. (2 )
فإخفاق الإيجاد يسمح بدخول الدول الاستعمارية الأخرى للتدخل بوصفهم شركاء للإيجاد، والسودان، الدولة الوحيدة التي تستطيع حل هذا الصراع على الرغم من العديد من الانتقادات التي تم التوجيه إليها، ومحاولة ربط استقرار الجنوب بالسودان، الإيجاد هي التي دفعت الفرقاء بتوقيع اتفاق السلام، ولذلك قادة الجوار هما جزء من الحل، ولذلك ايضا شاركت السودان بجيشها في مقاومة حركة المعارضة في الجنوب، ومن المنوط للإيجاد نشر قوات في مناطق شتى.
ثانياً- الاتفاق الجديد ..آلية تقسيم السلطة
وتمثل الاتفاقية الجديدة تحولاً ملحوظاً من اتفاق السلام الشامل الموقع في عام 2005 واتفاق الاستقلال عام 2011، وجميع الاتفاقيات السابقة تفترض أن السودان هي مصدر المشكلة، وأن السودان يجب أن تنعزل إذا كان هناك سلام في جنوب السودان، وانتقال المعارضين للشمال وكان لازماً لإغلاق هذه الثغرة الاعتراف أولاً بأن السودان جزء من الحل وليس المشكلة (3).
وقامت الهيئة الوطنية للتنمية في شرق أفريقيا (إيجاد)، بدور الوساطة، والضامن لهذا الاتفاق: السودان بزعامة البشير، أوغندا ( يوري موسيفينى )، ويعد الاتفاق خطوة أولية للتأهيل الإقليمي والعالمي للسودان، وفقاً للاتفاق يتم تشكيل حكومة انتقالية، وإعادة رياك مشار إلى منصبه السابق كنائب للرئيس (4 )
تضمن الاتفاق الموقع فى الخامس من اب أغسطس لعام 2018 في الخرطوم خمسة بنود أساسية :
تقاسم السلطة على مستوى رئاسة الجمهورية، على أن يستمر سلفاكير رئيساً لدولة جنوب السودان خلال المرحلة الانتقالية لثلاث سنوات تعقبها انتخابات عامة، في حين يتولى رياك مشار زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان ( المعارضة ) النائب الأول، وهناك أربعة نواب آخرون متمثلة في: الحكومة، وتحالف المعارضة ( تسع فصائل سياسية مسلحة )، والمعتقلين السياسيين، وتقسيم السلطة وفقاً لاتفاق التجسير بين البلدين بأن تكون الانتخابات حرة ومفتوحة لكل الشعب الجنوب سوداني . بينما توزيع المهام والصلاحيات: النائب الأول: يهتم بشؤون الحكم، والثاني: الاقتصاد، والثالث: الخدمات، والرابع: البنى التحية، أما الاخير فيتولى شؤون النوع والشباب، أما مجلس الوزراء: يتألف من 35 وزيراً، 20 وزيرا للحكومة وشتى فصائلها، تسعة للحركة الشعبية، وثلاثة لتحالف المعارضة، واثنان للمعتقلين السياسيين،واحد للأحزاب السياسية، وعشرة نواب: لوزارات الخارجية، والمالية، والإعلام، والزراعة، والتعليم، والعدل. خمسة للحكومة، وثلاثة لرياك مشار. وواحد لكل من تحالف المعارضة والأحزاب السياسية.
ثالثاً- مُستقبل السلام فى جنوبي السودان .. مُقومات الصمود
معظم الاتفاقات السابقة كانت تتعلق بوقف إطلاق النار، ولها بدايات متعثرة ونهايات فاشلة من خلال الصراع على السلطة وليس على المبادئ، فالقيادات تتصرف كزعماء جماعات أثنية وليس قيادات، وتبادل السيطرة على الدولة، ويتم الخروج على هذا الاتفاق من قبل الاطراف. وحسب تقارير الفاو والأمم المتحدة تعاني جنوب السودان من المجاعة، وتعثر الوضع بين مشار وكير، لابد أن يكون اتفاق شامل لتحديد اساس الدولة، ونلاحظ دور مصر من حيث إنشاء التدريب، ونزع السلاح، وإعادة الإدماج، ومشروعات التنمية، وبرامج مساعدات إنسانية، وتوفير الخدمات الطبية.
فهل من السهولة إدماج الفصائل المسلحة في الجيش؟ هل من الممكن أن تذوب في جيش وطني موحد؟ فأي اتفاق ينهار بسبب المواجهات العسكرية؟
المراقب للوضع في جنوب السودان، يلاحظ أن هناك ثلاث سيناريوهات للسلام وذلك على النحو التالي : أولاً : سلام هش :أقرب لدولة الكونغو الديمقراطية. ثانياً : حرب الكل ضد الكل : وغياب للرؤية الوطنية في شكل المؤسسات والمواطنة والمساوة والخدمات، الولاء الشخصي للحاكم، وتوقف صادرات البترول والحرب و زيادة أعداد اللاجئين، ثالثاً : التوقف عن القتال والوصول إلى مائدة المفاوضات : ويتطلب ذلك إرادة سياسية قوية وجهود للإيجاد وشركائها والتعاون الدولي. الشراكة بين المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية لتحرير السودان (المعارضة) على غرار نيفاشا فهي عملية تطورية لا يوجد فائز، ولكن تعايش سلمي كما حدث بين إثيوبيا وإريتريا، فضلاً عن التنسيق بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وإيجاد لوضع قوات حماية لوقف إطلاق النار واتخاذ الإجراءات المطلوبة ليصبح الجيش والأمن أجهزة قومية بعيداً عن القبلية من خلال زيادة قوات الأمم المتحدة، كما حدث في ليبيريا وسيراليون ساعد هذه الدول في الخروج من الصراع للسلام، وعمل مفوضية الحدود المستقلة من جانب هيئة الإيجاد، الإفراج عن الأسرى والمعتقلين، والمحاصصة في السلطة .
وختاماً، لكي يشعر المواطنين الجنوب سودانيين بالأمان بدلاً من الخوف والهجمات والاغتصاب بعيداً عن الجوع المتصاعد بسبب الصراع، ومتابعة سبل عيشهم وتعليمهم من دون خوف، لابد من الإرادة الشعبية هي التي يعول عليها بعد الحكومة الجديدة من خلال حملة إعلامية لتحسين الصورة والمصالحة وتوضيح حقيقة السلام ودور المجتمع المدني و العمل ككل لبناء دولة، أشبه بالمواطنة الدستورية، وليست على مستوى الحقوق والحريات ولكن من خلال الشروع بالمساواة في مشروعات التنمية، وتوافر الإيمان بالدولة والرغبة في العيش السلمي، و التحول من مرحلة حفظ السلام إلى بناء السلام (سلام مستدام) من خلال إقامة جيش وطني قوي يستوعب كل قوى الشعب ،يخلو من القبلية والانتماءات العرقية.

الهوامش
1. “South Sudan celebrates new peace accord amid joy – and skepticism”, the guardian, access on: 6-11-2018, available at :
https://www.theguardian.com/global-development/2018/oct/31/south-sudan-celebrates-new-peace-
accord-amid-joy-and-scepticism
2- « كير ومشار يشيدان في جوبا بمزايا السلام «، رأى اليوم، تاريخ الاطلاع : 2018-11-3،
3. حسام بدوي ،» قياديان معارضان من جنوب السودان :مفاوضات الخرطوم إلى طريق مسدود «، العربية، تاريخ الاطلاع : 2018-11-6،
4. Megan Specia,” A Peace Deal for South Sudan Is Signed. Will It Last?”, New York Times , access on : 6-11-2018,avaliabhe at:

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة