التهدئة مع غزة: تعقيدات المشهدين الإسرائيلي والفلسطيني

أشرف العجرمي

يستطيع المواطنون في غزة أن يشعروا ببوادر اتفاق التهدئة بين إسرائيل وحركة «حماس» الذي تم بوساطة ورعاية مصرية، ما انعكس في زيادة ساعات الحصول على كهرباء، مع أن الناس في قطاع غزة ما زالوا يعانون من قلة الدخل والبطالة الواسعة التي تطال غالبية الشباب والقوى العاملة، وبالتالي لا يبدو أن تغييراً جوهرياً سيظهر في المدى القريب على ظروف وشروط المعيشة لدى غالبية السكان، حتى لو ازدادت الآمال بعودة الحياة نسبياً إلى غزة.
وفي الواقع لا يثق المواطنون بنوايا إسرائيل ومدى التزامها بأي اتفاق يعقد معها، ولكن في ظل غياب الأمل بحصول تحولات جذرية في المشهد السياسي في كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي فأي تطور حتى لو كان بسيطاً يمكن أن يعني شيئاً إيجابياً.
تناولت وسائل الإعلام موضوع الاتفاق بالكثير من الأخبار المنقولة عن مصادر إما فلسطينية أو إسرائيلية والتحليلات، التي تبدو في بعض الأحيان متناقضة. والواقع أن الساحة الإسرائيلية تشهد الآن صراعاً بين قوى اليمين تمهيداً للانتخابات التي تشير التقديرات أنها ستكون قريبة وربما في شهر شباط المقبل. وكل زعيم حزب ووزير يريد أن ينسب لنفسه إنجازا في ملف التهدئة باعتبار أنه الموضوع الأول الذي يشغل بال سكان الجنوب وبالذات البلدات والمدن المحاذية للقطاع والقريبة منه وفي مرمى الصواريخ والبالونات والطائرات الورقية الحارقة والمتفجرة. فوزير الدفاع أفيغدور ليبرمان اتخذ لنفسه خطاً متشدداً يقوم على الدعوة لرفض الاتفاق مع «حماس»، ورفض تحويل الأموال لها وبدلاً من ذلك توجيه ضربة قاسية للحركة تضمن الهدوء لسنوات مقبلة. وفي مقابله يقف الوزراء نفتالي بينت ويوآف غالانت وغلعاد أردان ويسرائيل كاتس الذين يؤيدون التهدئة وإدخال الأموال القطرية لموظفي «حماس»، وبعضهم حتى يؤيد دخول العمال من غزة للعمل في إسرائيل.
في إطار السجال الدائر في إسرائيل والذي لم يمنع المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) برئاسة بنيامين نتنياهو من الموافقة على العودة إلى تفاهمات العام 2014، لا تبدو الصورة واضحة تماماً لما تريده إسرائيل على المدى البعيد. فما هو على الطاولة الآن، لا يتعدى المساهمة الإسرائيلية في إطالة أمد الانقسام الفلسطيني، وكسب الوقت لاستكمال المشروع الاستيطاني. فإسرائيل تعلم أن الوحدة الفلسطينية وعودة القطاع إلى الإطار الشرعي في سلطة فلسطينية واحدة يقوي الموقف الفلسطيني، ويفرض طرح ملف التسوية على الأجندة الدولية بطريقة مختلفة لما تريده إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وفي هذه المرحلة لا تتورع إسرائيل عن فعل أي شيء لتعزيز سلطة «حماس» في غزة وتشجيعها على عدم الذهاب نحو وحدة ومصالحة مع القيادة في الضفة الغربية، شرط أن تحفظ أمن إسرائيل وتمنع ما يزعج سكانها حتى لو كانت مسيرات سلمية.
ولكن مع ذلك هناك موقف آخر تبلور بالأساس لدى الأجهزة الأمنية والمراكز البحثية، يقول إن الأمن في قطاع غزة على المدى البعيد مرهون بعودة السلطة وسيطرتها الكاملة على غزة. وبعضهم يرى أن إسرائيل بسياستها الحالية تمول «حماس» وجناحها العسكري على عكس ما تريد السلطة، ولهذا ما يجري الآن هو إدارة يومية للأمور، قد تتغير في وقت قريب ربما بعد الانتخابات المقبلة في إسرائيل، عندما لا تدخل حسابات الانتخابات في قرارات المستوى السياسي. ولو عدنا لبنود الاتفاق المتداولة نرى أن الغالبية منها متروك للزمن ولإثبات «حماس» حسن النوايا وقدرتها على توفير الأمن حسبما تريد إسرائيل. وما هو متاح الآن وسيجري تنفيذه هو دخول الوقود الممول من قطر، وربما الأموال التي ستدفع لرواتب موظفي «حماس» ضمن آلية معينة تتجاوز الرفض الذي أبدته القيادة الفلسطينية، والذي تلاقى بطريقة ما مع الموقف المصري، وتوسيع مساحة الصيد إلى تسعة أميال، وزيادة كمية البضائع التي تدخل إلى قطاع غزة أو تصدر منه إلى الضفة والخارج، مع السماح بإدخال أصناف جديدة ممنوعة حسب التصنيف الإسرائيلي. أما القضايا المتعلقة بالمشاريع التطويرية الكبرى بما فيها إعادة الإعمار وتوفير أماكن عمل لعشرات آلاف الغزيين والميناء والمطار فمتروكة للمستقبل. وربما الاقرب هو موافقة إسرائيل على دخول عدد محدود من العمال للعمل في إسرائيل بعد أن تثبت «حماس» أنها ملتزمة تماماً ببنود الاتفاق.
وهذه البنود التي ستطبق فوراً، أو في المدة القريبة ليست قادرة على إحداث التطور الذي يرغب المواطنون في غزة في رؤيته. وستستفيد منه «حماس» أكثر من غيرها، خاصة عندما تحصل على تمويل لدفع مرتبات موظفيها، مع ملاحظة أن المدة التي التزمت فيها قطر بدفع فاتورة السولار والرواتب، مدة محدودة ومقدرة بعدة شهور، تماماً كالمشاريع القطرية في غزة، وعلى الأغلب ستتوقف قطر عن الدفع بعد مدة إذا لم تجد مساهمين إقليميين ودوليين آخرين. وعندها سنعود إلى المربع نفسه.
وهنا لا بد من أخذ موقف القيادة الفلسطينية على محمل الجد في الضغط على «حماس» إذا ما شعرت أن الهدف من التخفيف من الأوضاع الإنسانية الصعبة في غزة هو تطبيق فكرة دولة غزة. التي قالت إسرائيل مؤخراً بأنها ستقتطع حصة من أموال المقاصة والضرائب وتدفعها مباشرة إلى غزة في حال أوقفت السلطة تمويل القطاع. والقيادة تريد أن تتم المصالحة والوحدة وفي إطارها تحل كل مشكلات القطاع بما فيها التهدئة وغيرها.
وفي الحقيقة لا شيء يمكنه أن يمنح الأمان لغزة ويحل مشكلاتها جذرياً غير الوحدة الوطنية التي ستعيد الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، وتعزز الكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال والاستيطان. ولهذا السبب كل ما تحاول إسرائيل أن تصل إليه في هذه المرحلة هو إبعاد فكرة الوحدة بين الضفة وغزة والإبقاء على الانقسام لأطول فترة ممكنة، فهل نحن مع إسرائيل أو مع أنفسنا؟

ينشر بالاتفاق مع جريدة الأيام الفلسطينية

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة