رماد في أرض الندبة..قص وسرد وجنون

أحلام يوسف

صدرت الطبعة الأولى للمجموعة القصصية «رماد في ارض الندبة» للقاص محمد الحداد، عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، تضمنت المجموعة 15 قصة قصيرة.
كتب مقدمة المجموعة القاص والروائي حميد المختار الذي وصف القصص بانها «اشبه بالوثائق التي اشرت الى مواطن الخلل والفساد التي حولت هذه البلاد الى جحيم».
ثم تحدث بالمقدمة عن القاص محمد الحداد: من خلال قصصه تلك، بعث برسائل إغاثة واستنجاد، وحوّل كل ما يكتبه الى نوع من الإشارات التي قد تعجل بوصول النجدة الى الغريق الذي شارف على الموت.
ابتدأت المجموعة بقصة «حلم مجنون» الفائزة بجائزة الإبداع في مسابقة الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق لعام 2017، الحلم في القصة كان قمة الجنون، اذ يحلم البطل بمعادلة مقلوبة بكل الموازين، حيث تظاهرة قام بها أعضاء من الحكومة المخلصة والمجدّة ضد الشعب الظالم، فكانت تفاصيل أسباب التظاهرة والمطالبات المعلنة، تدلل على حجم الجنون في ذلك الذي اجده كابوسا أقرب منه الى الحلم.
قصة رماد في ارض الندبة التي اختارها الحداد لتكون عنوان مجموعته القصصية كتب عنها المختار قائلا: حاول القاص محمد الحداد في مجموعته هذه جاهدا ان ينوع في اشكاله الفنية، خصوصا في قصة رماد في ارض الندبة التي تحول فيها حتى لون الخط الكتابي للقصة الى عنصر قصصي ايحائي إضافي، تحت وعي تام ومقصود من قبل القاص، فجعل لهذه القصة ثلاثة أصوات، صوت السارد «باللون الكتابي الأسود» وهو صوت الواقع الحزين، وصوت البطل «باللون الكتابي الأحمر» الذي يمثل صوت الثورة والدم، بصراخ مدوّ ظل يغمرنا طوال القصة بمنولوجاته وصوته الداخلي الحافل بضجيج الحركة، وسريان المحنة في اوصاله، اما الصوت الثالث فكان «باللون الرمادي المائل» فهو صوت الهزيمة والميلان نحو الاستسلام والنگوص الذي يمثله صوت رفيق درب البطل، الذي وفق القاص محمد الحداد في منحه الكثير من صفات الرماد البارد.
نقرأ في المجموعة أيضا قصة، من يشتري الفقر؟، وبقايا، وخطاب رئاسي عازل للرصاص، وقطرة وطن، ووليمة اخبار ساخنة، وقد حملت هذه القصة فلسفة خاصة وساخرة، اذ كتب مشهدين الأول عن حادث تفجير، والثاني عن زبائن بمطعم وهم ينادون على النادل ليجلب لهم الطعام، تفاصيل المشهد الأول كانت من خلال كلمات يرددها المذيع، والمشهد الثاني من خلال وصف رحلة الاطباق ما بين يد النادل والطاولة، ومحاولة إيجاد عامل مشترك ما بين اللحوم التي وضعت امام الزبائن، وتناولها بشهية، وما بين لحوم البشر التي تناثرت اثر الانفجار، ليلتهمها الموت من دون شبع، ثم الحديث بينهم وبين النادل على الفرق بينهم وبين الموت وقد لخصوه بصفة «الشبع»، اذ انهم يمكن ان يكتفوا بوجبة لحم ويشعروا بالشبع اما الموت فيأتي بمئة لبوس وشكل ومنذ الازل لكنه لم يشبع يوما.
قصص أخرى نقرأها في المجموعة القصصية هذه، منها العطور لا تجيد الكذب ابدا، و يا بني لا تقصص رؤياك، ونشرة اخبار الدم، واضراب بعد الموت، وفرق توقيت، واضلاع الدائرة، وانشطار، وختم المجموعة بقصة ثأر.
اختار الحداد لخاتمة مجموعته على غلاف الكتاب كلمات من قصة «قطرة وطن»: اريد وطنا لم ابايعه من قبل بدمي فيتهمني بنكث بيعته، كلما فاض بحر النزق لديه، وطنا لم أعده يوما ان أزهق له روحي قربانا بين يديه، وطنا لا يوجد على الخارطة، لا تتعبوا أنفسكم، فلن تجدوه ابدا، لأنه لم يُكتشف بعد، هذا افضل لئلا يطالبني لملكيته احد، اريده وطنا اصغر من عش طائر لا وطن له، وطنا متاحا باذخا، لا يبالي ان قايضت رافديه بزوج حمام ابيض، يسبحان اول الغبش في سماء ابدية لا نهاية لها، ويعودان لعشهما بأمان من دون منة وقت المغيب، وطنا لم تطأه اقدام المستكشفين ولا المحررين ولا الفاتحين، حتى لا نتهم بسببه لاحقا بالخيانة والتبعية، وليكن وطنا بلا اسم، بلا حروف، لئلا نتنازع حول اصله، نقول جذره عربي، فيصرخ في وجوهنا بل هو اعجمي، وتقرع طبول الحرب فيدنس جسده بالدماء، ولسلامة الغد، سأطالب ان يكون وطني بلا ماض، ذاكرة من رماد، بلا تاريخ، مثل طفل ولد للتو، وبلا جغرافيا أيضا، اعني مثلي تماما، لا يفقه أي شيء عن خطوط الطول او العرض.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة