السياسة الدولية بين انحسار الديمقراطية وشيوع السلوكيات المارقة

عمرو حمزاوي

يعدل البرلمان الصيني الدستور لكي يلغى القيود المفروضة على فترات الرئاسة، ويمهد بذلك لبقاء الرئيس الحالي «شي جين بينج» في منصبه لأجل غير مسمى.
يطرد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» من منصبه بتغريده تنشر على موقع تويتر، ويخرج الوزير المطرود مؤكدا أنه لا يعرف أسباب «إنهاء» خدمته.
في جنوب إنجلترا، يتعرض جاسوس روسي سابق عمل لحساب الاستخبارات البريطانية لمحاولة اغتيال كيماوية وتشير جميع أصابع الاتهام إلى الاستخبارات الروسية.
يرغب الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في تهنئة نساء بلاده باليوم العالمي للمرأة (٨ مارس من كل عام)، فيسجل خطابا متلفزا يقتبس خلاله من قصيدة شعر قديمة تختزل وجود النساء في طور الحبيبة وطور الزوجة والأم وطور المسنة ذات الشعر الأبيض وبأبوية زاعقة يتجاهل رجل روسيا القوى المقبل على انتخابات رئاسية معلومة النتائج سلفا المرأة العاملة والمرأة المعيلة والمرأة العالمة والمفكرة والمرأة صاحبة المنصب العام.
تكتسح الأحزاب الشعبوية وأحزاب اليمين المتطرف الانتخابات البرلمانية في إيطاليا بشعارات مناهضة للاتحاد الأوروبي وخطاب عنصري ومقولات انفصالية خطيرة، ويعود إلى الحياة السياسية مجددا رئيس الوزراء الأسبق «سيلفيو بيرلسكوني» الذي ثبت عليه ارتكاب جرائم مالية (رتبت حرمانه من حقوقه السياسية لبضع سنوات تنتهي في ٢٠١٩) وجرائم جنسية (علاقة جنسية مع فتاة قاصرة نظير المال).
يزور وفد استخباراتي من كوريا الجنوبية الجارة الشمالية ويلتقي مع مساعدي الديكتاتور «كيم جونغ أون» وخلال اللقاء يتواصل مسئول جنوبي مع البيت الأبيض مقترحا قمة ثنائية بين ترامب وجونغ أون، فيوافق ترامب دون الرجوع لا إلى وزارة الخارجية ولا إلى أجهزة الاستخبارات في تغيير جذري للموقف الأمريكي وليؤكد الطبيعة الفردية والمضطربة لصناعة السياسة والقرار فى الولايات المتحدة منذ بدأت رئاسة ترامب.
في مصر، يبدو مشهد الانتخابات الرئاسية ٢٠١٨ خاليا من جميع المعاني الديمقراطية في ظل غياب التعددية الحقيقية للمرشحين، وغياب البرنامج الانتخابي للرئيس الحالي ــ الرئيس القادم، وغياب النقاش العام حول الانتخابات. وعلى الهامش، يتواصل الضجيج الإعلامي بشأن تصريحات مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فيما خص حالة الحريات وبشأن الانتقادات الأوروبية المتتالية لغياب المنافسة في الانتخابات الرئاسية.
أعزائي القراء، انظروا معي إلى هذه الطائفة المتنوعة من أحداث وظواهر اللحظة الراهنة في السياسة الدولية ودعونا نتأمل في مضامينها. يتمثل مضمون أول في الطبيعة الفجائية لبعض لما يدور من حولنا. لم يتوقع أحد أن يضع الرئيس الصيني نفسه في موقع الرئيس مدى الحياة بتلك السهولة، مثلما لم ننتظر التغير الدراماتيكي في الموقف الأمريكي تجاه كوريا الشمالية من المقاطعة والعقوبات إلى قمة رئاسية ومفاوضات.
مضمون ثانٍ هو انحسار القيم والممارسات الديمقراطية عالميا. في الصين رئيس مدى الحياة، في روسيا رئيس يبدل مناصبه كيفما يحلو له لكي يحتفظ بالسلطة ويبقى أبويته تجاه النساء وعموم المجتمع قيد الحياة، في مصر انتخابات تغيب عناصرها الحاكمة، في الولايات المتحدة الأمريكية يتجاهل رئيس منتخب مقتضيات صنع السياسة كعملية تشاركية على نحو يغلب الفردية ويهدد عمل السلطات والمؤسسات العامة.
أما المضمون الثالث فيتعلق بتورط حكومات ومسئولين في بلدان ديمقراطية وغير ديمقراطية في سلوكيات مارقة، بل وشيوع عدم الاكتراث بتداعيات المروق. يطرد ترامب وزير خارجيته بتغريده، ويخرج على العرف الديمقراطي المتبع في تغيير أصحاب المناصب العامة. تحاول، على الأرجح، الاستخبارات الروسية قتل الجاسوس السابق «سيرجي سكريبال» وابنته «يوليا»، ويتعامل الكرملين مع الأمر بمزيج من الإنكار والتجاهل. تطلق الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة في إيطاليا مقولات عنصرية زاعقة ومقولات معادية للأجانب، ولا يعنيها أبدا أن خطابها المارق يحفز نفرا من مواطنيهم على ارتكاب جرائم عنف ضد الأجانب واللاجئين. تفرغ الحكومة المصرية الانتخابات الرئاسية ٢٠١٨ من جميع عناصرها التنافسية ويغيب النقاش العام بشأنها، ثم تتعجب من محدودية الاهتمام الشعبي بانتخابات عرفت نتائجها سلفا.
لسنوات قادمة ستبقى السياسة الدولية أسيرة لانحسار الديمقراطية، وصعودا للسلطوية والشعبوية، وشيوعا للسلوكيات المارقة. ليرحمنا ويرحمكم الله.

* ينشر هذا المقال بالاتفاق مع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ٢٠١٤
لقراءة النص الأصلي٬ اتبع الرابط التالي:
http://carnegieendowment.org/sada

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة