كالمستجير من الإلكتروني باليدوي

بعد دخولنا لقوائم سجل غينتس للأرقام القياسية في مجال تطبيق الديمقراطية والإعلان عن النتائج النهائية للدورة الرابعة لانتخاب مجلس النواب العتيد، حيث تجاوز ماراثون الإعلان عن ذلك الثلاثة أشهر؛ وجدت مفوضية القضاة التي انتدبت كبديل عما أطلقوا عليه “المفوضية المستقلة للانتخابات” ان النتائج مطابقة تقريباً لما تم الإعلان عنه من قبل المفوضية السابقة، وليس هناك سوى اختلافات طفيفة لا تنجو منها أعرق الديمقراطيات في عالم هذبته صناديق الاقتراع بوصفها أفضل وسيلة أوجدها البشر لفك الاشتباكات. إذن هي محاولة بائسة أهدرت المزيد من الوقت والجهد والإمكانات والسمعة (المتدهورة أصلاً) من دون تحقيق أدنى منفعة لسكان هذا الوطن المنكوب على الصوبين (شمولي وديمقراطي)، كما أنها وبما تضمنته من تخبط ولف ودوران على شتى المحاور والجبهات، وبما أنتجته لنا من نسخة لا تقل بؤساً عن سابقاتها (البرلمان الجديد) تؤكد لنا حقيقة أن العيب ليس بالصناديق وما يرافقها من أدوات ووسائل؛ بل في إمكاناتنا المحدودة جداً وقلة حيلتنا في هذا المجال، حيث تنحط هذه الوسيلة الراقية (الصناديق والعد اليدوي والإلكتروني والملاكات المشرفة على ذلك) الى ما انحدرنا اليه من انحطاط وتشرذم وهلوسات (جماعات وأفراد)، حيث لم تتمكن هذه التجربة الفتية في عالم الديمقراطية والتعددية والحريات؛ من إنتاج حزب سياسي واحد تنطبق عليه المعايير المجربة والمعروفة في هذا المضمار، رغم أنف العدد الاسطوري من القبائل والطوائف والملل السياسية المدججة بالأجنحة العسكرية المشاركة في الانتخابات (أكثر من 200 حزب وكيان).
ان تأكيد العد والفرز اليدوي وقضاته لما أعلن عنه العد والفرز الإلكتروني ومفوضيته من نتائج وأرقام، تدعونا للبحث عن حلول وسبل بعيدة عن مثل هذه العطابات والشماعات البائسة، كي نحظى بملاكات وتشكيلات قادرة فعلاً على تمثيل مصالحنا الحيوية والمشروعة كأفراد وجماعات، هذا المنحى الذي لم نطرقه بجدية وقوة حتى هذه اللحظة، حيث سمحنا بمرور ممثلي هذه الطبقة السياسية الفاشلة والفاسدة مرة اخرى الى الهيئات التشريعية، والتي ستشكل لنا الحكومة المقبلة وإداراتها ومؤسساتها وفقاً لسنن المحاصصة وفقه السلة وبقية التقنيات التي تعرفنا عليها طوال أكثر من خمسة عشر عاماً على “التغيير”. هذه الطبقة السياسية بكل ألوانها وتسمياتها المستندة على أساس وطيد من “الهويات القاتلة” لا يمكن ان تقدم غير ما نضح عنها من بضائع واهتمامات وهموم، كما ان المتنطعين الحاليين ليافطات الإصلاح والمعارضة والتغيير وغير ذلك من العناوين العريضة والرائجة، لم يوفقوا بعرض أية استعدادات نظرية وعملية جادة تنسجم وتلك المشاريع والتطلعات، ليس هذا وحسب بل ان البعض منها يعلن بشكل سافر عن حنينه للنظام الرئاسي والزعيم القوي، من دون أدنى التفات لواقع القوى واصطفافاتها وحجم الهوان والتشرذم وبقية الشروط والمناخات الطاردة لكل ما يعيد لهذا الوطن وحدته وسلامته وعافيته.
قد تعكس مثل هذه النهاية لماراثون العد والفرز بمرحلتيه (الإلكتروني واليدوي)؛ نوعاً من المفارقة الصارخة بين البدايات شديدة الامتعاض والغضب، والتي دعت البرلمان والحكومة لتجميد عمل ما يطلق عليه بـ “المفوضية المستقلة للانتخابات” وإقالة عدد من مدرائها ومسؤولي فروعها في عدد من المناطق، بعد سيل من الاتهامات بالفساد والتزوير الواسع وغير ذلك من التهم التي لم تنسجم والحصاد النهائي لذلك الماراثون، لكنها مفارقة تنسجم وما نمتلكه من غضب واستياء وسقف عال من التوقعات والتطلعات من جهة، وضحالة في الإمكانات الواقعية على التغيير والإصلاح..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة