أرصفة ملوّنة ومنازل مهدمة:
كمال العياش*
منذ عام ونصف عادت معظم العائلات الى مدنها المحررة في محافظة الانبار (110كلم ) غرب العاصمة بغداد فوق أطلال من الركام، استجابة لدعوات العودة والوعود الكثيرة بسرعة الإعمار وتوفير كل مقومات الحياة الطبيعية، الا أن الاعتماد على الذات والتكيف مع الواقع المرير المتمثل بتردي البنى التحتية من قبل المواطنين، كان أسرع بكثير من خطط الإعمار التي لم تسهم في معالجة قضايا السكان المحليين الرئيسية.
عند دخولك الى مدينة الفلوجة أو مدينة الرمادي للوهلة الأولى يخيل لك أن هذه المدن قد استعادت عافيتها وأنها نفضت كل غبار الحروب والدمار، إلا انك ما أن تتوغل داخل الأحياء السكنية ستشاهد الأسلاك الكهربائية التي مازالت مقطعة، وستشاهد عددا من الأشخاص يتولون بأنفسهم وإمكانياتهم الذاتية إصلاح كسر ما في شبكة المياه أو يقومون بمد أسلاك كهربائية للحصول على الطاقة الكهربائية.
احمد عبد الحميد (43 عاما) احد السكان المحليين لمدينة الفلوجة (60 كلم) غرب العاصمة بغداد، والذي انتهى مؤخرا من ترميم صالون الحلاقة الخاص به ليزاول عمله من جديد، لم يستطع الوصول الى مكان عمله بسبب أعمال الحفريات التي باشرت بها دائرة البلدية والتي تسعى الى إزالة الأرصفة القديمة واستبدالها بأخرى جديدة، يرى أن هذه الأعمال البلدية غاية في الروعة وتمثل أعلى درجات الشعور بالمواطن واهتماماته إلا أن وقتها غير مناسب ولابد من العمل على أمور أخرى أكثر أهمية.
وقال عبد الحميد “كنت أتمنى أن أجد هذه الآليات داخل الأزقة وهي تنفذ مشاريع لشبكات المياه أو شبكات الصرف الصحي المتهالكة، التي أصبحت كابوسا يهدد حياتنا اليومية، لا أن أجدها تقتلع أرصفة لو تركت على حالها لعشر سنوات أخرى لا تمثل أي ضرر على المواطن”.
ويضيف “هذه المبالغ التي يتم إنفاقها هنا وهناك على مشاريع كهذه هي هدر للمال العام وإنفاق في غير محله، لأننا بحاجة الى مشاريع حقيقية تعيد ترميم المنازل المتضررة والمدارس والمراكز الصحية، التي يسهم ترميمها بتوفير خدمات أفضل للسكان المحليين الذين يفتقرون الى أبسط الخدمات”.
ويؤكد “كل هذه الأموال تصرف بطريقة غير مخطط لها ولو كان هناك أدنى تخطيط أو شعور بالمسؤولية، لكان الأولى أن يتم تخصيصها لتعويض المتضررين من العمليات العسكرية، والذين مازالوا يسكنون في خيمة وسط أنقاض منازلهم المدمرة”.
يشاهد السكان المحليون عشرات المشاريع التي يتم العمل بها يوميا، وعلى الرغم من إعلان الحكومات المحلية في المحافظة عن انجاز عدد كبير من الجسور والمراكز الصحية وشبكات المياه وشبكات الطاقة الكهربائية واعادتها الى العمل، إلا أنهم يعتقدون أن هذه الانجازات على حساب احتياجاتهم الأساسية.
جهاد الدليمي (44 عاما) والذي يقطن مدينة الفلوجة، عبر عن استغرابه وهو يرى دائرة الكهرباء التي رفضت تجهيزه بالأسلاك الكهربائية لإيصال التيار الكهربائي إلى منزله بحجة قلة التخصيصات، تنفذ حملات كبرى لاستبدال أثاث مكاتبها وترميم بناياتها عبر عقود عمل بملايين الدنانير.
الدليمي أشار الى أن “العمل بهذه الصيغة وفي هذا الوقت هو استخفاف بمعاناة السكان المحليين، الذين يتطلعون الى مشاريع أكثر أهمية بالنسبة لهم تلامس حياتهم اليومية، قد لا تكلف الدولة تلك المبالغ الضخمة التي يتم تبذيرها على مشاريع من الممكن تأجيلها في الوقت الحاضر”.
ويقول أيضا متسائلا “ما الفائدة من إنشاء مدينة العاب والجسور مازالت مقطعة، وهل ممكن أن تغني الأرصفة الجديدة عن شوارع مازالت تحمل آثار القصف والعبوات الناسفة، التي لا تسمح بسير المركبات بشكل يسير فضلا عن أنها تتسبب في زيادة الحوادث المرورية”.
تلك المشاريع التي يعدها المسؤولون ضمن أولوياتهم ويدافعون عن أهميتها، لا تجد مكانا ضمن اهتمامات السكان المحليين، إذ ينظر إليها الغالبية على أنها داعيات انتخابية كونها لا ترتقي إلى مستوى المشاريع الضخمة، وان الغالب على هذه المشاريع يشار إليها على أنها انجازات لأشخاص محددين يغلب عليهم الطابع السياسي، لاسيما وان السكان المحليين اعتادوا مثل هذه المشاريع قبل كل موسم انتخابي.
مهدي الحلبوسي (51 عاما) أحد السكان المحليين لمدينة الرمادي لا ينكر جهود الحكومة المحلية في إعادة إعمار الكثير من البنى التحتية، لاسيما في مدينة الرمادي مركز المحافظة، الا انه يشبه آلية العمل بنقش خارج الدار بالزخارف، مع أن داخله محطم ومتهالك.
الحلبوسي، قال ان “آلية عمل محافظة الأنبار وحديثها عن المشاريع العملاقة والضخمة والانجازات التي تحققت ماهي الا رتوش خارجية وتلميع للصورة الإعلامية التي يراد للمحافظة أن تظهر بها، أما الداخل فهو مأساوي وان الحال لم يتغير عن الواقع الذي شاهدناه عند عودتنا إلى المدينة قبل أكثر من عام”.
ويقول أيضا “افرح كثيرا عندما أتجول في الطرق الرئيسة للمدينة وأنا أرى الإنارة قد عبأت المكان والأرصفة الملونة والشوارع المعبدة إضافة الى واجهات المؤسسات الحكومية والمنازل الكبيرة التي أصبحت أكثر جمالا لكن هذه الفرحة لا تدوم عندما أتجول داخل الأحياء السكنية التي مازالت تعاني الخراب والدمار”.
ويستدرك مازحا “كنت اظن أن والدتي فقط من تقوم بتلميع المنزل وتخرج أفضل ما لدينا من أوانٍ وتحف عند استقبالنا لضيوف مميزين، العائلة في هذا اليوم تعيش لحظات جميلة مع هذا الوضع المؤقت الذي يذهب بريقه برحيل الضيوف لتعود الحياة داخل المنزل كما كانت عليه مثال أجده اقرب الى واقع المحافظة وما تبدو عليه”.
*عن موقع نقاش.