جاهزية الرمز والإحالة في مجموعة (كتاب الحياة) للقاص عبد الامير المجر

عبد علي حسن

بات من المعروف أن النص الابداعي يتجاوز مرحلة الإنفعال ازاء ما يجري في تفاصيل الواقع ليجعل التفكير ومن ثم التعبير عن تلك المجريات وفق رؤى معرفية وجمالية ما تضع ذلك النص في منطقة التأثير في المتلقي ومد ذائقيته بدفق معرفي وجمالي يجعله يدرك ما يحصل امامه بعين معرفية وجمالية تؤكد الدور الفاعل للنص الإبداعي في مشاركة المبدع لإدراك الحقيقة التي هي الهدف النهائي لكل منجز باختلاف وسائط الوصول اليها ، وهنا تتبدى قدرة المبدع في محاولته لإدماج الرؤية الفكرية والجمالية المتجاوزة لما هو موضوعي للوصول الى الغنى المعرفي ، ولعل استبطان الواقع ومجرياته يحصن النص من الوقوع في التسجيلي التي تحرص وسائل اعلامية كالتقرير الصحفي والتحقيقات وبرامج التلفاز الإخبارية على نقل الخبر والتوقف عند مرحلة الانفعال الاول ، ووفق ماذكرت آنفا فإن قصص مجموعة ( كتاب الحياة) الثمان للقاص عبد الأمير المجر الصادرة عن اتحاد الادباء والكتاب في العراق/ ط اولى 2018 ،اذ حاولت محايثة مخرجات الواقع العراقي ومجريات التحول في البنية الاجتماسياسية صوب تخليق نصوص متخيلة موازية لنص الواقع متجاوزة مرحلة الانفعال بالحدث الواقعي الى مرحلة التعبير عنه عبر الترميز الى مايماثل الحدث الواقعي وفق خاصية التخييل ، الا أن تلك النصوص المتخيلة اعتمدت بناء رموز بسيطة جاهزة ومشاعة وقريبة من ممكنات الوصول الى فك رمزيتها وكذلك الى ما تحيل عليه ، فالدوال بسبطة مدركة وكذا مدلولاتها دون الإجتهاد في تخليق رموز جديدة تملك من الدوال ماهو بعيد عن مدركات المتلقي الا ان لها القدرة على ادماج عناصرها مع وعي المتلقي ليسهم في انتاج تلك المدلولات لتبتعد النصوص عن واحدية القصدية في الترميز والإحالة التي خلقها الكاتب ، ولتوكيد هذه الخاصية في نصوص المجموعة فإننا سنعمد الى تحليل ثلاثة نصوص من نصوص المجموعة الثمانية.
ففي قصة ( العراة) يحايث النص الواقع من زاوية مألوفة وهي ما آل اليه الوضع السياسي في العراق وإيغال المتنفذين في سرقة المال العام عبر تخليقه لحكاية الشخصية المركزية في القصة حين يستيقظ من نومه في أحد الفنادق ليجد نفسه مسروق الملابس والحاجيات وكذلك بقية نزلاء الفندق والعاملين فيه ويتعدى الأمر الى خارج الفندق حيث يسير الناس وهم عراة لعدم وجود مايسترون به اجسادهم لسرقتها من قبل اشخاص مجهولين يتبين فيما بعد واثناء احتشاد الجماهير في الساحة العامة احتجاجا على ماجرى لهم أن السارق هو رئيس المدينة وحاشيته ويتم التعرف على الملابس التي يرتديها الرئيس والمسروقة من الناس فضلا عن معرفة تطابق اشكالهم مع الصور التي رسمها الرسامون لوجوه غريبة قدمت الى المدينة من ابواب متفرقة ، لينتهي النص عند مسيرة حاشدة يتقدمها رئيس المدينة وحاشيته عراة يتبعهم سكان المدينة في موكب سخرية واستهزاء منهم ، من دون أن نعرف كيفية التعرف على الملابس المسروقة ، اذ ان ارتدائها من قبل الرئيس ومعرفتها لمجرد الرؤية من قبل الناس لم يكن مقنعا كما أنه يشير الى سذاجة وغباء الرئيس في ارتداء الملابس المسروقة امام الناس المسروقين الذين سوف لايجدوا صعوبة في التعرف عليها. كما أن النص قد تضمن علامات مكشوفة الدلالة من قبيل ( لكن البعض قالوا انهم رأوا اشخاصا لهم وجوه غريبة لاتشبه وجوه أهل المدينة ….النص ص 12) ليشير الى من جاء من خلف حدود الوطن ليسرق اموال الناس وحاجاتهم ، اضافة الى أن واقع الحال يشير الى ان فصل السرقة لايزال ساري المفعول والقصاص من السارقين لم ينفذ بعد ، كما أن مفردة (العري) تشير الى الكشف والتجرد عما يستر الإنسان وفضحه ، وهي دلالة مكشوفة وواضحة .
وفي قصة ( دعوة لحفل المجانين ) فإن النص يبث خطابه الترميزي عبر حكاية متخيلة فيها العديد من عناصر الحكاية الغرائبية التي لايمكن وقوعها في الواقع الا انها ناتجة عنه متلبسة لبوسها الغرائبي وفق بناء مجموعة من الرموز بل أن القصة برمتها تعد رمزا لحالة الواقع القائم وانعكاسا لها ، وفي الوقت الذي تجاوزت فيه مرحلة الانفعال بالواقع الا انها لم تتوقف بما فيه الكفاية في مرحلة التفكير لتنتج ثيمتها وتخليق رموز جديدة تسهم في ظهور اكبر عدد من التأويلات وصولا الى مغزى أكثر غنى من الوجهتين المعرفية والجمالية ، اذ ان القصة تتهيكل حول مبنى سرديا يفترض حدثا غرائبيا يتم فيه اقامة حفل من قبل ( رابطة المجانين الأحرار) يدعى اليه مجموعة من المحررين السياسيين في الصحف المحلية الذين يفاجئهم منظمو الحفل بإلقاء كلمات هي ذاتها مقالات كتبها المحررون الذين تمت دعوتهم للحفل ، ثم دعوتهم للانظمام الى الأحزاب الجديدة لأن افكارهم التي تضمنتها مقالاتهم تتطابق وأهداف هذه الأحزاب ، وتنتهي القصة بتناثر الأوراق والمقالات السياسية على ارضية القاعة وانخراط الشخصية المركزية (عادل الشبسي)
وبقية الحضور بالبكاء بعد سماعهم لموال عراقي حزين من ضمن فقرات الحفل الغنائية .
ففي النص الآنف الذكر لابدللمتلقي من وضع المعادلات السسيولوجية بين النص وخارجه ،اذ ان الإكتفاء بحياة النص الداخلية عبر المتن المتخيل غير كاف للوصول الى بنية دلالية قائمة بذاتها ، فالشخصيات والحدث المركزي وكل مجريات السرد تحيل الى خارج النص وتحديدا الإحالة الى مايجري في البنيةالاجتماسياسية بما في ذلك الموقف الازدواجي للإعلام عبرممثلي الصحف المحلية التي تم توجيه الدعوة لها لحضور الحفل ، ان معالجة الظاهرة الاجتماعية التي حاول النص سبر اغوارها لم تكن بعيدة ولاخارج المتن الحكائي بل تضمنها المتن وأحال عليها بطريق مباشر وسطحي واشهاري لم يجد المتلقي صعوبة في الوصول الى اطراف المعادلة السسيولوجية بين المتن وخارجه ، كما أن رؤية النص كانت تتحرك في منطقة مرتبكة كرست بنية اللامعقولية في مايجري على كافة الأصعدة والركون الى حل عاطفي تبدى في الأغنية العراقية المثيرة للشجن والبكاء .
وفي قصة (الإرث) يدخل النص الى منطقةغرائبية أيضا ، يراد منها الكشف عن محاولات الإنسان للبحث عن إرث ضاع عبر تقادم العصور ، فمن خلال تكليف الأب والجد للحفيد بضرورة الحصول على الإرث المضيع في زمن يشهد تشتت المجموعة الأم بين اصقاع الأرض وظهور لغات متعددة لهذه الجماعات وتوالي اجيال عديدة احتفظت بمخيالها الذي كرسته عوامل العداء والاختلاف والفرقة التي امتدت عبر عصور عديدة وصولا الى الأجيال الجديدة التي اتخذت من تلك العوامل وما اقترفه الأجداد الأوائل من اخطاء لتبرير محاولات الهيمنة على سائر الجماعات الأخرى ، اتخذت تلك العوامل لتبرير عداوات وصراعات جديدة تؤكد جهل الأجداد والأحفاد معا ومادامت عملية البحث عن هذا الإرث في المحاكم والمحافل قد حسم منذ زمن مضى شهد الشتات ، وانتقال الادعاءات بأحقية امتلاك الارث لهذه المجموعة او تلك، أقول فما الداعي اذن لعملية البحث وظهور حفيد جديد يتأبط اوراقا صفر كتلك التي تأبطها المنافسون الثلاثة على ارث الاجداد ليطالب بحق عودة الارث له ؟ ان نهاية النص تشير الى وهم الانتماء اللامجدي لمجموعة آثرت التشتت والفرقة على الوحدة ، وكما في النصين السالفين وكذلك بقية نصوص المجموعة فإن جاهزية التدليل لخارج النص كان واضحا ومكشوفا دون بذل عناء فكري للتوصل الى دلالاته.
ان المشكلة الفنية التي عانت منها نصوص مجموعة ( كتاب الحياة ) للقاص عبد الأمير المجر كانت في تخليق مجتمع نصي يلهث وراء فواعل الواقع ليكون صدى لتلك الفواعل ومعادلا له بشكل مباشر ومكتشف ، دون الانتباه الى ضرورة استبطان فواعل الواقع بشكل جمالي اخفقت فيه اللغة السردية للنصوص في استكناه الطاقة التعبيرية للغة والاكتفاء بدورها التوصيلي المستهلك المعبر عن هم القاص والنصوص في توصيل المضامين ، وحسبي أن هذه الأساليب في السرد قد عفا عليها الدهر وشرب ، اذ ان رصد ظواهر الواقع يتطلب الغور في بواطن تلك الظواهر وتقديمها بشكل يبدو بعيدا عن التفاصيل المدركة والمكتشفة من قبل المتلقي وفي ذات الوقت تحيل اليها النصوص بطريق غير مباشر ومكتنز بجماليات السرد وبناء الحكاية .
لقد حاول القاص عبد الأمير المجر في مجموعته الجديدة هذه (كتاب الحياة ) أن يقدم الحياة العراقية بكل تشكلاتها السياسية منها والاجتماعيةوالتأريخية عبر نصوص وجدت طريقها سهلا الى ذائقة المتلقي لتكشف عن حرص المؤلف على محايثة الواقع العراقي ومايعتمل في بنيته من عوامل الاحباط والنكوص من جانب وتكريس بنية الهم الفردي والجمعي وان اتخذ وضعا مأساويا وباعثا على اليأس.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة