قرن كامل من الاستثمار الواسع في حقول الدين أو ما يعرف اليوم بحركات وجماعات (الاسلام السياسي) انتج لنا واقعاً غرائبياً تعجز عن رسم انحداراته العبثية فرشاة المغفور له سلفادور دالي بجلال قدره. منذ اللحظة التي خط فيها الشيخ حسن البنا شعار جماعته الاخوانية (الاسلام هو الحل) ورحم خير أمة يمور بعمليات التخصيب لكل اشكال وانواع الجهاد الاسلاموي التي لم تكتف بتنظيم التكفير والهجرة وجماعة الجهاد التي وهبت تنظيم القاعدة الدولي زعيمه الحالي الظواهري الى انتقال حمى الايمان العابر للحدود لمضارب الاشقاء النيجيريين وابتكارهم المسكون باختطاف النساء واعادة انتاج الجواري والسبايا (البوكو حرام)، واخيراً ولادة حلم الجماعة الاسطوري (الخلافة الاسلامية) في مدينة الموصل العراقية. ومن الاهمية بمكان الاشارة الى الوشائج العميقة لهذه الجماعة الاخطبوطية بالتجربة الاسلاموية في بلاد فارس القديمة، حيث بواكير العلاقة بينهما منذ أيام زعيم جماعة (فدائيان اسلام) نواب صفوي الذي اعدم بتهمة اغتيال رئيس الوزراء الايراني زمن الشاه وقيادته لتنظيم خاص بالاغتيالات اقتفى أثر ما يعرف عند جماعة الاخوان المسلمين بالجهاز الخاص.
نهاية السبعينيات من القرن المنصرم دخلت الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق والغربي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية، طورها الاخير خاصة بعد قرار الكرملين في التورط بالمستنقع الافغاني، حيث جعلت منه المخابرات المركزية الاميركية وادواتها المحلية وحلفاؤها الاقليميون النزال الاخير لاستنزاف موسكو ومن ثم انهيار المعسكر الشرقي برمته.
نهاية الثمانينيات اكتمل الاستثمار الدولي في مجال تعبئة وتجنيد فصائل ومجموعات الاسلام السياسي، والذي توجته المخابرات الباكستانية والتمويل السعودي الخليجي بولادة النسخة الاولية لحلم الجماعة (الاسلام هو الحل) بقيادة امير المؤمنين الملا عمر زعيم حركة طالبان الافغانية والذي بايعه زعيم القاعدة اسامة بن لادن. ولم يمر وقت طويل على عمليات التخصيب الشاذة هذه حتى خرجت هذه السلالات، عن طاعة امراء البيت الابيض في واشنطن، وبعد ما عرف بغزوة منهاتن بداية الالفية الثالثة أدركت الولايات المتحدة الاميركية حجم العبث الذي مارسته اجهزتها السرية وحلفاؤها الاقليميون في هذه المضارب الأكثر ركوداً في عالم أصبح فيه عمر المعلومة أقصر من عمر الفراشة.
بعد أن اينعت ثمار حقول ذلك الشعار الهلامي، الذي أوصل عيال الله في هذه المضارب المنكوبة الى ما هم عليه اليوم من تشرذم واستقطابات وهزائم حضارية وجرائم بشعة وانتهاكات وشراهة لا مثيل لها في التهام ابسط الحقوق البدائية لسلالات بني آدم، نكتشف حقيقة ان القوم قد انخرطوا في ماراثون شعاره: الاسلام هو الحانوت..!