علي لفتة سعيد
قد لا نستغرب إذا ما قلنا إن في العراق المئات من منظمات المجتمع المدني ومن بينها أكثر من 400 منظمة مختصة بالثقافة، ومثل هذا العدد مختصة بالثقافة والاعلام معا، وهناك أعداد أخرى مختصة بإصدار الكتب وإقامة المهرجانات وهي تابعة لمؤسسات ثقافية ودينية وحزبية.. بما يعني وبحسبة بسيطة أن أكثر من 1000 منظمة مختصة بالثقافة في العراق غير تلك المؤسسات الثقافية الثابتة مثل اتحاد الأدباء ونقابات الفنانين والصحفيين والخطاطين والمسرحيين والنقاد والمؤرخين وغيرها من تلك المؤسسات أو المنظمات التي لم تزل تمارس أعمالها بشكل أو بآخر.
إن كل هذه الأعداد تقيم الفعاليات الثقافية بشكل مستمر او حتى متقطّع، حتى لكأن العراق في كل يوم فعالية ثقافية ما بين إقامة معرضٍ أو مهرجان مسرحي أو حتى عرض مسرحية أو الاحتفاء بإصدار كتاب جديد أو تضييف شخصية ثقافية أو إقامة معرض تشكيلي.. بل يصل الحال الى إقامة أكثر من فعالية في مدينةٍ واحدة غير بغداد العاصة التي لا تغيب عنها فعاليات جمعات المتنبي.. ولكن في المحافظات تكاد تكون ثلاث فعاليات في يوم واحد، حتى إن المثقفين يبحثون عن تخطيطٍ مدروس لإقامة مثل هكذا فعاليات ثقافية تتيح لهم المشاركة أو الحضور، خاصة وأن المثقف متهم بعدم المشاركة ودعم هذه الانشطة التي ليست جميعها بكل تأكيد لديها نوايا ثقافية خالصة، بل هناك منظمات تابعة لأحزاب سياسية وجهات دينية أو شخصيات مسؤولة شكلّت لها منظمة مجتمع مدني، لتكون لهم صوتا انتخابيا أو عملية جذب للمثقف، وتلك المنظمات مؤشّرة بشكل جلي من قبل المثقفين، وهي في الغالب مقاطعة الحضور ولا تشهد مشاركات فاعلة.
أمام هذه الفعاليات الثقافية التي لو تم توزيعها بشكل يومي على خارطة المحافظات العراقية لوجدنا إن ثلاث فعاليات تقام يوميا في العراق.. فلا شيء لا يكون له فعالية بما فيها الفعاليات السينمائية والمسرحية والمعارض التشكيلية والندوات التثقيفية بل إن الكثير من الجامعات بدأت بإقامة ندوات وفعاليات ثقافية خارج مناقشة الأطاريح والرسال الجامعية من خلال استغلال امثل لمواقع التواصل الاجتماعي وهذه يقوم بها أكاديميون نقاد وأدباء وليس من أصحاب الحصول على الشهادات العليا والاكتفاء بها.
ولكن السؤال الذي يطرح.. هل حققت هذه الفعاليات الكثيرة والعديدة التي لا يستطيع أحد وضع رقم لها إلّا بافتراض نسبي إن كل محافظة تشهد إقامة ثلاث فعاليات يومية، إذن لدينا 54 فعالية في اليوم الواحد بما فيها فعاليات إقليم كردستان؟ وأيضا هي تشهد هذه الفعاليات مناقشات مهمة على الصعيد الثقافية من أجل بلورة حاضنة فكرية وزيادة في التأثير الثقافي على المجتمع والخروج من (روتين ) الأسابيع والواجب المفروض لهذه الجهة أو تلك؟ وهل يمكن أن نشهد زيادة في أعداد الحضور لهذه الفعاليات الثقافية؟
هذه الأسئلة ربما يطرحها الكثير أو نقرأ ذلك هنا وهناك على شكل مقال أو رأي أو حوار.. لكن الحقيقة إن اقامة هذه الفعاليات لوحدها دليل عافية حتى لو كان الحضور قليلا.. فالفعل الثقافي ليس فعلا شعبيا أو أنه يشبه فعالية الحضور لعبة كرة القدم أو حفلا غنائيا يقام في مول تجاري.. بل هو يعد فعلا نخبويا لمن يهتم للثقافة، يكون فعّالا في الحضور والنقاشات فضلا عن أن الكثير من المثقفين وبالأخص الأدباء والفنانين الذين يعدون هم ركيزة هذه الفعاليات هم من أصحاب الدخل المحدود، وإنهم يقومون بأعمالٍ أخرى لا تتيح لهم الحضور بشكل فعال في هذه الفعاليات.. وبالتالي فإن الأمر قد يبدو للعين الأخرى إنه فعل قاصر عن التأثير في المجتمع .. لهذا يكون السؤال التالي: هل بالإمكان تحويل هذه الفعاليات من مكانها المغلق الى مكانٍ فسيح ؟ إن الإجابة تكون نعم بالإمكان ذلك.. ولو أخذنا فعاليات شارع المتنبي لوجدنا أن الإعلام هو صاحب الفضل في ترتيب أوليات كل جمعة من خلال النقل شبه الأسبوعي لهذه الفعاليات، وهو الأمر الذي يراد أن ينعكس على نقل الأحداث ومتابعتها إعلاميا لجميع المحافظات، وأن يتم تخصيص برامج ثقافية في كل قناة فضائية، مثلما تقيم فعاليات ثقافية للشعر الشعبي والرياضة واللقاءات مع الفنانين وبالأخص المطربين والممثلين الذين يزدادون شهرة أخرى من خلال هذه البرامج، في حين لا نجد قناة تقوم بنقل الفعاليات الثقافية إلا نادرا، وبالتالي اختيار الوقت المناسب لعرض البرامج الثقافية وليس جعلها إسقاط فرض، وان تكون في ساعات غير ملائمة وأن يتم عرضها كما تعرض البرامج الرياضية، وأن تعهد الى إعلاميين يقومون بالتغطية الجيدة غير التقليدية ايضا. فضلا عن تغطية الفعاليات من قبل الصحف ونشر الأهم منها على الصفحات الأولى كما تفعل مع الجانب الرياضي.
إن الفعل الثقافي فعل فردي، لكنه يحتاج الى عملية ترويج من أجل خروجه من الجدران الضيقة الى الفضاء الأوسع.. وكثيرا ما ردننا إن اجتماعا بين رئيس الوزراء وزرائه لا أحد يعلم به لو لم يتم نشره عبر وسائل الإعلام المختلفة.
لهذا تكون الإجابة: على المؤسسات الإعلامية منح الفعاليات الثقافية الاهتمام الكافي والمميز في الوقت.. فبالثقافة ترتقي الشعوب ويرتقي الاعلام لأنه الأس الحقيقي لنجاح هذه المؤسسة أو تلك.