تنظيم داعش .. من الذئاب المنفردة الى شبكات عمل مترابطة داخل أوروبا

بون ـ جاسم محمد

حصل تنظيم داعش، ربما اهتماما اكثر من بقية الجماعات المتطرفة عند المراقبين والباحثين ومراكز الدراسات المعنية، فمنذ انطلاقته فرعا للقاعدة عام 2006 في صحراء الانبار باسم “الدولة الاسلامية في العراق”، كان هدف التنظيم هو اسقاط حكومة بغداد، واعطى ظهره الى اسرائيل والغرب. الان يضع هذا التنظيم اوروبا نصب اعينه، وهذا مايثير الكثير من التسائولات، فماهي الاسباب ؟ ومن هي الاطراف المستفيدة ؟ ومن هي الجهات التي تقف وراءه؟
أعلنت وزارة الداخلية الإسبانية يوم 6 سبتمبر 2017 بأنها أوقفت بالتنسيق مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في المغرب إسبانيا و5 مغاربة، مؤكدة أنه تم بذلك “تفكيك خلية “جهادية” كانت تعد لهجمات واسعة النطاق. التحقيقات كشفت أن المجموعة خططت لهجمات إرهابية واسعة النطاق وعقدت اجتماعات ليليلة سرية قامت خلالها بدورات تدريب ومحاكاة عمليات قتل عبر قطع الرأس.
وفي ذات السياق عثرت الشرطة الفرنسية كذلك يوم 6 سيتمبر 2017على مواد تستعمل في صناعة المتفجرات بإحدى الشقق في منطقة فيلجويف بالضاحية الجنوبية للعاصمة الفرنسية باريس. وقامت باعتقال شخصين على خلفية القضية التي تكلفت شعبة مكافحة الإرهاب في نيابة باريس التحقيق فيها.
وسيق ان اعلنت الاستخبارات الاسبانية في اعقاب عملية برشلونة الارهابية يوم 16 اوغست 2017، ( سائق الشاحنة يونس ابو يعقوب) عن وجود شبكة مرتبطة بشيخ متطرف يدير شبكة تعمل لصالح تنظيم داعش وصل عددها الى مايقارب خمسة عشر عنصرا، جميعهم من المقيمين في اسبانيا .

شبكات سفر تعمل
على نقل عناصر داعش
تقارير استخباراتية كشفت ان التنظيم يستغل شبكات السفر المستخدمة فى الاتجار بالبشر على نطاق واسع فى المنطقة، وتشمل هذه الشبكات هيكلا تنظيميا اكتشفته وكالات الاستخبارات الأمريكية والجهات المتحالفة معها تستخدمه مجموعات محددة لمساعدة الإرهابيين على الوصول إلى الأراضى الأوروبية، كما خصصت داعش عناصر الدعم للشبكات لتسهيل العملية.
يقول “جان بول لابورد “ رئيس لجنة مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة، بأن التقديرات والمعلومات الاستخبارية الأوروبية تشير إلى ارتفاع معدل تدفق عناصر تنظيم داعش بمعدل الثلث خلال عام 2016 ما يضع أوروبا بشكل حتمي في مواجهة تدفق متزايد خلال عام 2017 للمقاتلين الاجانب العائدين الى اوروبا. ويعتقد “لابورد” بأن الإجراءات الأمنية التي تعتمدها الدول الأوروبية غير قادرة على منع تسلل عناصر داعش عبر الحدود.
هذه التطورات تأتي مع تحذيرات اطلقها لاهور طالباني، رئيس جهاز استخبارات كوردستان العراق ـ مدينة السليمانية، بان تنظيم داعش قد ينفذ عمليات ارهابية اوسع في اوروبا. التحذير هذه جاء في اعقاب هروب اعداد من مقاتليي داعش قدرت ب 300 مقاتل بعد بدء معركة الحويجة التابعة الى مدينة كركوك شمال العراق، بعد ان سلم مقاتليي داعش انفسهم الى قوات البيشمركة الكوردية، عبرمع مناطق تماس مباشرة مع قوات البشمركة.

عناصر داعش: التخلي عن القتال والعودة الى اوطانهم
مصادر معلومات موثوقة ومقربة من اجهزة استخبارات كوردستان ، مدينة السليمانية، ، ذكرت بان اعداد من مقاتلي داعش بينهم مقاتلين اجانب سلمت نفسها للقوات الكوردية، وعثرت القوات الكوردية على مبالغ بحوزت المقاتلين، تصل الى مايقارب عشرة الالاف دولار عند كل مقاتل، اعترفوا بان الغرض من هذه الاموال من اجل دفع الرشاوى او الهروب من مناطق القتال والعودة الى اوطانهم. وبحسب “سكاي نيوز” حذر مسؤول أوروبي من قيام “داعش” بنقل أموال من الشرق الأوسط إلى أوروبا، في مؤشر على تخطيطه لعمليات ارهابية.
التطورات هذه تكشف عن انكسار معنويات التنظيم وانهيار قدرة تنظيم داعش القتالية في معاقله ، العراق وسوريا، ورهان التنظيم بتصعيد عملياته في اوروبا. وهذا ما اكده اللواء الركن ماجد القيسي من اربيل، في حديث خاص معه. تصريحات لاهور، مسؤول الاستخبارات في السليمانية، جائت نتيحة اعترافات عناصر داعش، رغم ان المكتب الذي يدير عمليات اوروبا يدار بعيدا عن معاقل التنظيم في العراق. وكشفت وثيقة صادرة من الاستخبارات الايطالية خلال عام 2017 والتي نشرتها جريدة «ذا غارديان» البريطانية، عن «شبكات معقدة تسللت من خلالها عناصر من تنظيم داعش وعناصر لها صلات بحركات” جهادية” أخرى إلى أوروبا، منذ العام 2015، متظاهرين بالإصابة، حتى يتلقوا العلاج في العيادات والمراكز الصحية بأوروبا، ثم يتسنى لهم التحرك إلى مناطق أخرى في أوروبا
ان مشهد العمليات الانتحارية التي كشفت عنها اجهزة الاستخبارات الاسبانية والفرنسية خلال شهر اوغست وسبتمبر 2017، بان تنظيم داعش يعمل على ادارة خلايا منظمة مرتبطة مع بعضها، والبعض ترتبط بعلاقات عائلية ضيقة تخدم سرية وامن الجماعة، بالتوازي مع عمليات الذئاب المنفردة. ان اعتماد تنظيم داعش على خلايا تم تنظيمها من داخل اوروبا، يعني ان التنظيم يلقي بثقله على تنفيذ عمليات ارهابية في اوروبا. وممكن القول بأن هنالك ترابط في شبكات عمل بعض الدول الاوروبية التي تعمل لصالح تنظيم داعش، هذا ما اظهرته تحقيقات فرنسا واسبانيا، الى جانب استخدام وسائل وادوات متشابهة !
السؤال : لماذ يركز تنظيم داعش على اوروبا، رغم ان طموحات واهداف التنظيم تتركز على التمكين و السلطة والسيطرة على الثروات في العراق ربما اكثر من سوريا وليبيا ودول اخرى؟
ـ من المرجح ان تنظيم داعش يرتبط بعلاقات عمل مع بعض الاطراف الاقليمية الفاعلة في المنطقة، في العراق وسوريا، واستهداف تنظيم داعش الى اوروبا يصب في صالحها.
ـ يبقى عامل “ الجهاد العالمي” و” العدو البعيد” يخدم تنظيم داعش امام بقية الجماعات والتنظيمات المتطرفة للحصول على التمويل وانصار جدد، وفي نفس الوقت محاولة من التنظيم لاضعاف دور بعض الدول الاوروبية داخل التحالف الدولي.
اصبح تنظيم داعش داخل على فصل جديد في اوروبا بتنفيذ عمليات انتحارية على غرار الذئاب المنفردة، اشخاص مرتبطين بالتنظيم ينفذون عمليات بمفردهم الى جانب منحى جديد خلايا وشبكة عمل مرتبطة ببعضها تنظيميا، ربما تكون اباكثر من دول. والاصعب هو ان اجهزة استخبارات اوروبا مازالت تواجه صعوبة برصد ومتابعة عناصر داعش العائدين وايقاف عمليات الذئاب المنفردة، وهذا يعني ان اوروبا مازالت مرشحة لعمليات نوعية اوسع.

*باحث في قضايا الإرهاب والإستخبارات

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة