(البحث عن نافذة القمر) للكشف عن صيرورة الذات تأملات لعوالم الشاعر

علوان السلمان

الخطاب الشعري تجليات الذات المنتجة(الشاعرة) للكشف عن صيرورتها من خلال الوعي الجدلي القائم على قطبي التقنية والجمالية، لتحقيق نص(تقوم صورته بين نظم كأنه شعر.. ونثر كأنه نظم) على حد قول ابي حيان التوحيدي..للتعبير عن جوهر الأشياء بلغة ايحائية اللفظ.. متفجرة الدلالة المرتكزة على خصوبة المعنى..عبر معرفة تحمل معطيات الرؤية ونسقا نغميا متوالدا من الالفاظ والتراكيب المكتنزة بقوتها التأثيرية الناتجة من اللحظة الشعرية الصادمة..
والاشكال الشعرية بتنوعها البنائي الكاشف عن الممكنات الجمالية بابتكار الصور والتعابير والتشكيل الايقاعي والمضامين الانسانية التي تستفز الذاكرة وتنبش خزينها المعرفي..غرضها تحقيق المتعة والمنفعة..وقصيدة النثر النتاج الادبي الذي يشكل محطة من محطات التجريب الشعري حققت وجودها بتعابيرها الاهاشية المستحدثة التي قوامها الصورة والرمز المتوهج باللفظ المنغم ..المتألق في سياقه..اضافة الى تجاوزها القوالب الجاهزة مع وحدة موضوعية تربط بين اجزاء النص بخيط رفيع فاعل ومتفاعل والنص..
وبتأمل النصوص الشعرية التي انتجتها ذهنية الشاعر حيدر حاشوش العقابي واسهمت دار المرتضى في نشرها وانتشارها/2014..كونها تنقل عوالم الهم الذاتي والذاتي الجمعي الآخر على بياضاتها المعبرة عن مكنونات الذات القائمة على الاحساس الوجداني ورسم الصور الشعرية المعبرة عن قيمة جمالية ومضامين كونية مكتظة بابعادها الاجتماعية والنفسية..ابتداءا من العنوان..المفتاح التأويلي والايقونة الدلالية المنتزعة من مكونات النص وتشكلاته..
أنا أول خليفة
يأسره النور
ويبرمج اختفاءه
كي لا تضيع أوزاره حملا
يفسد عليه مكوثه
شيء يشبه الملح أو هو اكثر بياض
يتجمع في صبغة الصدغ
ويتلو آيات من دم جامد /ص8 ـ ص9
فالنص ينفتح على تقنيات السرد البصري الذي يستدعي المكان ـ الوعاء الفكري للذاكرةـ والحاضنة للفعل الشعري وانفعالات المنتج(الشاعر) للصور المتوالدة من بعضها بمخيلة مكتنزة بالمعطيات الحسية التي يتفاعل معها بوعي ولغة محكية عبر خطاب الذات ومناخاتها بايجاز وتكثيف جملي فيكشف عن حركة زمنية ومتغيرات شيئية من خلال التحكم بجزئيات الحكي ووضعها تحت سلطة التخييل الذي بنى تصوراته على النسق القيمي..
أيها الليل لا قمر يضيء حلكة الأناشيد
المزروعة في حلق النهار
الليل يعلو…
وناعور القيامة ابتدأ الدوار
لا اسمع الا كركرة الطفل وحزن الضفة
وقهر العالم العاري.. ص29
فالنص يسجل لحظته التي تتمحور اشتغالاتها على الحدث اليومي بتعابير جمالية معتمدا العبارة الموجزة..المشحونة بالخيال والحركة المرئية لغرض تقديم صورة متماسكة البناء..واضحة المعالم..مؤطرة بوحدتها العضوية.. وحيثيات دلالية تنبثق من المفردة الرامزة بوصفها لفظ مكتنز الدلالة في سياق يبذل فيه المنتج جهدا استثنائيا بهندسة تراكيبه الجملية الخالقة لصوره من خلال اشتغاله بحركة ذهنية واستثمار العناصر البلاغية (مجاز/استعارة/جناس..).. فضلا عن توظيفه تقانات فنية منها: التكرار الذي هو شكل من اشكال الموسيقا الداخلية المضافة في النص الذي يكشف عن مكنونات الذات المنتجة وعمق احساسها.. و سيميائية التنقيط التي تشكل نصا صامتا تتعطل فيه دلالة القول وتستدعي المتلقي لملء بياضاته ليكون مشاركا في بناء بعض عوالم النص وفك مغاليقه بلغة تشكل وسيلة وغاية في حد ذاتها..والتي يعمل الشاعر على تفجير قدرتها الايحائية والانزياحية كي يكشف عن وظيفتها الجمالية..
كم استهلك من المجرات
عفوا من السماوات
دون أن اعرف
على أي جدار اعلق حريتي ص38

الليل..
هو وحده الذي يدلني على خطيئتي
ويحذرني
من سنوات غلاظ
وايام عجاف ص39
فالمقاطع النصية تتسم بالوعي الفكري وهي تقوم على بنيات متعددة(البنية التشكيلية والبنية الايقاعية..)المبثوثة على امتداد الشبكة النصية المشهدية المتسمة بالزمكانية وحوار الذات.. ببناء يتجاوز النسق المتداول ويعتمد نصية حداثية توحي بنزعة درامية..
وبذلك فالشاعر يختط لنفسه مسارا ينطلق من الخارج كمصدر للتجربة صوب الداخل الذي يعيد تشكيله ويرسم ابعاده المعبرة عن الهم الذاتي والذاتي الجمعي الآخر بمخيلة متدفقة تحول الفكرة الى صورة مع غوص في أعماق الذات..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة