«مخدع« منة الله..

تهدي الكاتبة المصرية (منة الله سامي) مجموعتها القصصية الرابعة إلى ( أطلال نينوى وبوابة عشتار ) ، في لمحة مقصودة لما يجري على ارض الواقع من انتهاك الإرث الحضاري لبلاد ما بين النهرين على يد عصابة القتل « داعش « . إذ تعد هذه الإشارة كنوع من التضامن ، لكنه أيضا وبنفس الوقت يوحي بمدى الاهتمام الذي يكتنف حياة الكاتبة تجاه هذه الحضارة .
لقد قسمت مجموعتها القصصية ، الصادرة في عام 2017 عن الهيأة العامة لقصور الثقافة المصرية ، إلى قسمين ، الأول : في السموات السبع ، حيث يرد في كل القصص عملية الخلق وترسيخ ادوار الآلهة في صنع مصائر الكون والبشر . مع أنها تقترب كثيرا من سيرة عشتار وتنوعاتها الأسطورية ، أنما ناتج من الحرص على منح الحياة أكثر من فرصة للبدء والرسوخ ، فعشتار رغم ما اشتهر عنها من خلاعة ، ألا أنها تبقى آلهة الخصب وتسعى جاهدة على صون الحياة .
في هذا القسم تبدو الكاتبة ( منة الله سامي ) اقرب إلى تنزيل أوامر الآلهة ودسائسهم واحترابهم كل حين ، لتقترب من قاعدتها الأثيرة بان الحياة تبدأ بالإنسان وان عراك الآلهة ، أنما هو بالضرورة يؤدي إلى إرساء الحياة البشرية على الأرض واستمرارها ، من دون تدخل الآلهة ، أو على الأقل أن تكف الآلهة من إصدار أوامرها إلى البشر وتقيد حركتهم ، لذا لجئت إلى اختيار شخصيات أسطورية الأقرب إلى البشر أو المؤسسون الأوائل لجذوة الحياة وتأصيلها .
في القسم الثاني من المجموعة القصصية « مخدع « وضع تحت عنوان : على الأرض ، بقصديه واضحة ، مرادفة إلى القسم الأول وكأنها تنتقل من علياء الآلهة ومشاجراتهم في السموات إلى الأرض لترافق مسيرة الإنسان عليها ، عبر بعض المحطات ، التي تمثل ما يلاقيه ، هذا الإنسان على الأرض ، من محن و ويلات ، وكما كتب على البشرية في القسم الأول الشقاء ، فان في الجزء الثاني تسيره رغبت ذلك الإنسان في العتق من الأسر والتحرر من قيوده الاجتماعية في معادلة حياتية للبحث عن الخلاص .
ترد صيرورة الإنسان على هيئة لقطات مكثفة لا تتعدى القصة الواحدة عن صفحة واحدة أو بعض صفحة ، لكنها تجزل الثيمة بشكل تدفيق ، بحيث تتحول القصة لدى الكاتبة من حكاية إلى ومضة ، ذات اللقطة الواحدة والتي لا تتجاوز الوصف لما يراد إيصاله من فكرة ، كأن تكون طلاق أو مكافأة او رقصة ملعونة أو باب لا يفتح . كل هذه التنويعات ، أنما تعكس أكثر من إضاءة في السرد ، فهو يمر عبر راو ثالث ، مراقب ويتدخل في الضربة الأخيرة للقصة لإيصال الفكرة ، والسرد في معظمه يأتي بشخصية أنثوية رئيسة لكل قصة وكأنه تأكيد لأهمية عشتار في الحياة واستمرار خصوبتها .
« مخدع منة الله سامي الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر جدير بالقراءة لمطالعة تجارب جيل الشاب في تفكيره وكتابته.
حميد الربيعي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة