عصر الرواية

الرواية تتصدر مبيعات المتنبي، كتّاب الرواية هم الأكثر شعبية وحضورا في الوسط الثقافي، من غيرهم، الرواية أكثر مقبولية لدى دور النشر من غيرها. هذه حقائق، لا يمكن لأحد إغفالها، أو تجاوزها، في وقت، يملك العراق عدد كبير من الشعراء، يملك إرثا شعريا كبيرا، يملك متذوقين للشعر، يملك مؤسسات تضم شعراء ونقّاد. اليوم تعيش الرواية عصرها الذهبي، خصوصا العراقية، التي حققت نجاحات مهمة على الصعيد العربي، فجائزة البوكر لعام 2014 ذهبت لرواية احمد سعداوي: فرانكشتاين في بغداد، وهذا العام شهدت القائمة الطويلة أربع روايات عراقية، هي رواية مقتل بائع الكتب لسعد محمد رحيم، وسفاستيكا لعلي غدير ورواية فهرس لسنان أنطوان ورواية أيام التراب لزهير الهيتي. وأخيرا، صعدت للقائمة القصيرة رواية مقتل بائع الكتب الصادرة عن دار سطور. هذا الإنجاز المهم للرواية العراقية بصورة خاصة والثقافة العراقية، يعكس مدى تطور وتنامي الرواية، واتساع جمهورها، خصوصا من فئة الشباب. الرواية رغم كونها طويلة، وتأخذ وقتا أطول من الشعر أو القصة، وانها تحتاج الى جهد ذهني، لكنها تصدرت اهتمامات القرّاء، وأصبحت المعبرة الوحيدة عن حاجاتهم الثقافية. ويبدو أن الرواية اصبحت عامل إغراء للشعراء الذين تحول العديد منهم الى كتابتها، الى جانب الشعر، وهو الأمر الذي يستدعي الوقوف عنده، فسعدي يوسف، كتب: مثلث الدائرة، فاضل العزاوي كتب رواية: آخر الملائكة. سركون بولص كتب: عاصمة الأنفاس الأخيرة، وهي مجموعة قصصية. وغيرهم الكثير، من الأسماء الشعرية التي اقتحمت عالم الرواية، رغم تصدرهم المشهد الشعري العراقي والعربي. ورغم إصدارهم لدواوين عدة، استطاعوا من خلالها بث الكثير من أفكارهم، دواوين، اغترفت من بحار خيالاتهم لتشكل أعمدة صلبة، للشعر الحديث. فهل إنهم شعروا أن ثمة أمورا لا يمكن للشعر أن يستوعبها؟ هل إن سعدي أو فاضل لم يستطيعوا تطويع الشعر، ليستوعب ما أرادوا قوله في رواياتهم؟ وبالعودة الى القرّاء: هل عجز الشعر عن تلبية حاجاتهم الفكرية والروحية؟ هل تخلوا عن الشعر بوصفه المعبر الوحيد عن الذائقة؟ الشعر الذي كان معبرا عن تطلعات الشعب، متضمنا اخبارهم وناقلا لهمومهم ومشاكلهم. والشعراء الذين مثّلوا ضمير المجتمع، وصوته الهادر الصادح بوجه السلطات بأنواعها. الشعر، كلما تقدم الزمن، وتغيرت أنماط الكتابة، وظهرت تنظيرات جديدة للشعر، يزداد معه الغموض، وربما يزداد بعدا عن الجمهور. ثمة استجابة واسعة من قبل فئات كثيرة من المجتمع للشعر الشعبي، ونفور من الشعر الفصيح، بعموده ونثره، وهذا متأتٍ من طبيعة تلك الكتابات، التي تلبس رداء الغموض والغرائبية. والشعر بذاته لا يمكنه أن يستوعب كل الحالات التي يمر بها الشاعر، لا يمكنه أن يعبر عن كل ما يدور في ذهن الشاعر، لما يضعه من قيود شكلية وموضوعية، ما إن يفرط بها الشاعر، حتى تفقد كتابته صفة الشعرية، لذلك يلجأ الى الرواية بوصفها الميدان الأكثر رحابة وسعة لاستيعاب الأفكار والمخيلة مهما كانت عميقة وواسعة.
سلام مكي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة