جرأة الطرح ، مساس ما يعتبره البعض مقدسا

فيلم الوهراني

كاظم مرشد السلوم

الفيلم الذي اثار ضجة كبيرة في الجزائر بعرض بعض من حياة رجال الثورة الجزائرية، لان البعض يرى ان رجال هذه الثورة مقدسون بنفس قدسية رجال الدين، لذلك لا يجوز ان يظهرهم الفيلم، يغنون ويرقصون ويشربون ، أو يتلفظون بألفاظ  نابية،

لكن هذه هي الحقيقية، ففي النهاية هم بشر عاديون، لا يختلفون عن الاخرين بشيء، وتخضع تصرفاتهم للصح والخطأ.

الحكاية

حميد وجعفر، اثنان من ثوار جبهة التحرير الجزائرية، “جفعر  ” قام بدوره الياس سالم ، مخرج الفيلم “ينضم الى الثوار مصادفة ، بعد ان يصعد مع حميد في سيارته ليتبين له ان حميد واصدقاؤه هم ثوار، وحين يتعرض الجنود الفرنسيين لهم، يقوم جعفر بقتل احدهم ، الامر الذي يجعله مطاردا ليصبح فيما بعد اهم ثوار الجزائر في مدينته وهران .

بعد انتهاء الثورة يعود جعفر الى مدينته ليستقبل استقبال الابطال، فيما صديقه حميد يتولى اعلى المناصب الحكومية وله سلطة على الجميع، فيما احد اصدقائهم ينتقد الكثير من تصرفات الاثنين بعد الثورة، جعفر يكتشف ان لديه طفل ولد بعد سجنه، لكنه يكتشف فيما بعد انه ليس ابنه بل هو ابن فرنسي اعتدى على زوجته كعقاب له، لكنه لا يستطيع التخلي عنه .

الخلافات تنشأ بين ثوار الأمس، حكام اليوم، بسبب المصالح، ليبدأ تطبيق مقولة الثورة تقتل رجالها ، فيقتل حميد صديقهم المعترض على تصرفاتهم وتقبله الرشاوى ، ليصل المخرج بالفيلم الى العام 1986 وهو عام التحولات الكبير في الجزائر .

انتقادات حادة للفيلم

الفيلم قوبل بانتقادات حادة من قبل الثوار السابقين والسياسيين الذين ما زالوا موالين لها، فاعتبروا ان ثوار الجزائر الذين حرروها من الاستعمار الفرنسي مقدسين لا يجوز المساس بهم ، ولا يجوز التجاوز عليهم سواء في فيلم سينمائي او غيره ، ومن المعيب حسب رأيهم اظهارهم وهم يحتسون الخمر ويتخاصمون ويتلفظون بكلمات بذيئة .

احد رجال الدين اصدر فتوى بمنع عرض الفيلم، معتبرا ذلك اساءة الى تاريخ الجزائر، لكن وزيرة الثقافة نادية لعبيدي ، اعترضت على ذلك مدافعة عن حرية الرأي التي يجب ان تحترم حتى لو طالت رموز الثورة الجزائرية . كما رفض مثقفون وكتاب الحملة التي يتعرض لها الفيلم ” كونه عملا فنيا ابداعيا يستحضر جانبا من ثورة لا تخضع لوصاية احد “

العديد من نقاد السينما الجزائريين اعتبروا الحملة التي تعرض لها الفيلم مبالغ فيها، لان تاريخ الثورة الجزائرية لابد له ان يخضع لمختلف الآراء كما هي العديد من الاحداث التي حصلت في الجزائر ومازالت تحصل لتشكل في محصلتها النهائية تاريخ البلاد، وهي بمثابة دعوة لتحرير التاريخ سواء كان تاريخ الجزائر او غيرها من البلدان.

حكاية الفيلم يمكن ان تطبق على واقع العديد من الثورات التي حصلت في البلدان العربية ، العراق ، مصر ، سوريا ، وغيرها ، فالمتابع لتاريخ البلدان العربية  يجد ان الكثير من حالات الفساد والانحراف عن المبادئ قد حصل في مسار هذه الثورات وتحول ثوار الامس الى مؤسسين لدكتاتوريات للعسكر ولدت بعد تصفيات جسدية كبير بين اعضائها ، لذلك سرعان ما يأخذك الفيلم الى عقد مقارنة بين ما تشاهده في الفيلم وبين ما حصل فعلا في بلداننا نحن ، وربما لا يواجه الفيلم نفس الاعتراضات التي واجهها في الجزائر بعد سقوط العديد من الانظمة الدكتاتورية التي اسست لها ثورات ، كان حماس الشعوب  سببا رئيسا في نجاحها ، اتصبح فيما بعد كابوسا قبع على انفاسها ، وتمنت الخلاص منه بشتى الطرق ، والنتيجة هي فوضى الثورات الشعبية اللاحقة التي اسست هذه المرة للفرقة الطائفية والمجتمعية ، حيث بعض البلدان ربما تكون ذاهبة الى التقسيم والحروب الاهلية .

الفيلم يؤكد من خلال طرحه لموضوعة تاريخية مهمة المهمة الكبيرة التي تنهض بها السينما للكشف عن تبدلات الواقع والتي لا يرد البعض الحديث عنها ، فالجزائريون يعتبرون ثوارهم مقدسون وهذا من حقهم كون هؤلاء الثوار حرروا البلاد من نير الاستعمار لفرنسي ، والعراقيون يعتبرون عبد الكريم قاسم المنقذ والمخلص من ظلم النظام الملكي وكذلك الامر في مصر حيث جمال عبد الناصر رمز للثائر العربي ، لكن كل هؤلاء في النتيجة هم بشر لهم اخطاؤهم ، وربما يكون طرحها وتناولها في السينما يقدم درسا مهما للجيل الحال والذي يليه في كيفية التعامل مع المتغيرات الحاصلة .

جرأة الطرح لم تكن هي ميزة الفيلم الوحيدة بل اشتغال المخرج الياس سليم على عناصر اللغة السينمائية واختياره الدقيق لشخصيات الفيلم وكذلك اختيار وهران مكان للتصوير لتوفرها على العديد من الاماكن التي ساهمت في نجاح الفيلم .

الوهراني هو الفيلم الثاني للمخرج الياس سالم، بعد فيلمه الاول ” مسخرة ” الذي حاز على جائزة ” فالوا الذهبية ” كأحسن فيلم في العام 2008، وحاز الوهراني على جائزة أحسن مخرج عربي في الدورة الثامنة لمهرجان ابو ظبي السينمائي ، وحاز كذلك على اعجاب النقاد الذين حضروا العرض .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة