«من وحي المؤسسة «الزوجية طبعا» أنموذجا

تمثلات السرد في المقالات الساخرة

نهى الزركاني

يحرص الإنسان منذ الأزل على حفظ ما يهمه من أحداث وشخصيات ومواقف بوساطة القص , فهو فن ممتع سلس يستقبله الإنسان على اختلاف عمره وثقافاته. وعلى ما يبدو فهو الفن الأنسب الذي يمتزج فيه الجد بالهزل لينتج نصا مقاليا ساخرا يتصدى لمشكلات المجتمع , يعرضها بطريقة ممتعة , ثم يفترض لها حلولا عبر مجموعة من المقالات التي اختلفت بين طول وقصر، تناولت المؤسسة الزوجية في العالم العربي وما تمر به من مشكلات تعود إلى أسباب اجتماعية وأخرى شخصية تتعلق بذات الفرد. ولهذا فقد جاءت تلك المقالات مرتكزة إلى عنصري الشخصية والحدث وتبني عالمها السردي على أساسهما :
«بكاء»
ورد في الأثر, للزوجة حالتان للبكاء إزاء الرجل : تبكي عليه أو تبكي منه ,ولكنها لا تبكي له , ولها حالتان للضحك : تضحك عليه أو تضحك منه ولكنها لا تضحك له , فإذا تزوجت فاعلم ذلك , ولو حدث العكس , فأنت أمام امرأة أخرى فانتبه.
الاثنين 22\2\2013»
محور النص شخصيتان الزوج والزوجة ثم الحدث الذي يربط بينهما(الضحك والبكاء) بهما يتحرك السرد في مفاصل النص عن طريق الفعل الذي تقوم به الشخصية وعلى أثر من فعلها تبنى المفارقة التي تبث المتعة في ختام النص والفائدة في آن واحد.
تعتمد تلك النصوص على اختلاف سقفها الزمني على فكرة رئيسة واحدة تكاد تكون خيطا جامعا بين جميعها , ثم تختلف في طريقة بناء الشخصية والفعل الذي تقوم به في النص , فقد تكون شخصية واحدة يترتب على أثر أفعالها النص :
«طعم»
الزواج تطعيم للرجل من الإصابة بالمرض نفسه في المستقبل»ولكن أحيانا يكون الطعم منتهي الصلاحية»
وقد يبنى النص على حضور أكثر من شخصية ليعطي للحدث بعدا أكبر من أن يدور في فلك شخصيتين فقط , حتى وإن كانت تحيل على معنى أوسع من المقصود.
«دورة»
في اللحظة التي تراك فيها أمك عند الولادة يفارقها الألم إليك ,ويظل رفيقك حتى إذا ما اقترنت بامرأة أخرى تنقل إليها جذوة الألم استعدادا لنقلها إلى مولود جديد , يظل الألم دليلنا على السعادة التي لانعرف طعمها مالم نجرب ضدها , فهل تعرف طعم العودة مالم تكن جربت السفر»
الحدث الذي يتحرك في النص أعلاه يعطي للفكرة التي بني عليها المقال بعدا جماعيا ينطبق على الأجيال إن صح التعبير وهكذا على مدى المقالات الأخرى.
أما بناء السخرية في النص فيبدو لي أنه مشابه لطريقة الكاريكاتير ,إذ يقوم الكاتب بتضخيم العيوب لرسم شخصياته الكاريكاتورية من جهة والتركيز عليها بوصفها سلبيات من جهة أخرى :
«تحول»
تبادل الأدوار والمنفعة: يحدث أن يتعلق الرجل بامرأة رشيقة يتزوجها ويكون من مهامه حمايتها من مضايقات الآخرين ومنع اقترابهم منها , ويحدث أيضا بعد سنوات (غالبا) تتحول هي إلى بارجة حربية تتمتع بالحماية الذاتية وبالقدرة على منع الأخريات من الاقتراب منها و (منه طبعا) «
وقد يوظف التراث بطريقة الكوميديا السوداء التي تحتمل افتراضات عدة تجتمع على نتيجة واحدة :
«خطيئة»
على مدار عمر البشرية يحافظ الرجل على حقه في ممارسة الخطيئة الأولى لأبيه آدم (كل مرة يسمح لحواء أن تغريه بالتفاحة) وفي كل مرة تدفع البشرية (الأبناء) فاتورة الحساب , لا الرجل يصل إلى سن الرشد , ولا حواء عرفت التوبة ولا التفاح انتهى ,ولا فاتورة الحساب ضاعت «.
وظفت المقالات في هذه المجموعة الكثير من الأفكار المجتمعية التي نصادفها يوميا في المجتمعات والبيوت الصغيرة , الفكرة الرئيسة كانت العلاقة بين الرجل والمرأة ثم انبثقت عنها مجموعة من الأفكار الصغيرة التي بحثت في تلك العلاقة مع الحفاظ على قيمتها الجمالية والفنية التي حرصت على تقديمها ضمن نطاق الأدبية , وهو مما يحسب للكاتب فقد ابتعد به عن الحشو والتكرار , قدم الكثير من المشكلات التي افترض لها حلولا تأويلية تستشفها من حيثيات المشكلة ذاتها , فالمقالة تحتفظ لنفسها بعنصر التشويق والاختصار وعدم التكرار بوصفها فن إعلامي بامتياز.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة