الهرب الكبير
علي عاطف حسَّان
تفاقمت في الآونة الأخيرة على الحدود الأميركية المكسيكية مشكلة أخذت في التضخم يوماً عن الآخر، ألا وهي مشكلة المهاجرين من دول أميركا اللاتينية الذين قرروا اللجوء إلى الولايات المتحدة الأميركية هرباً من بلادهم. إلا أن الإدارة الأميركية تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب قررت عدم دخول هؤلاء المهاجرين، والتصدي لهم على الحدود واتخاذ سياسات حازمة تجاههم.
وفي والواقع، تسببت العديد من التطورات داخل دول أميركا اللاتينية في هرب هؤلاء المهاجرين ورغبتهم بترك بلادهم، وكان من أبرز هذه العوامل ارتفاع معدلات الجريمة داخل هذه الدول، مما أجبر العديد من سكانها على مغادرتها طلباً للأمان في دول كالولايات المتحدة الأميركية.
وهنا، سنحاول فيما يلي إلقاء الضوء على واحد من أبرز الأسباب التي دفعت هؤلاء المهاجرين إلى مغادرة بلادهم والتوجه إلى الولايات المتحدة الأميركية من خلال التطرق إلى تطورات هذا المشهد، وكيفية تعامل الإدارة الأميركية الحالية معه، ثم الحديث عن هذا السبب الأبرز.
تفاقم مشكلة اللاجئين على الحدود الأميركية وسياسات الرئيس ترامب تجاهها
وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشهر الماضي المهاجرين المتدفقين من دول أميركا الجنوبية إلى بلاده بأنهم يشكلون «حالة طوارئ» وأصدر أوامره بالتصدي لهم من خلال انتشار القوات الأمنية والجيش على الحدود. وحذّر ترامب من أن الاعتداء على القوات الأميركية من المهاجرين التي صدرت لها الأوامر بالتصدي لهم سيقابله رد مباشر من هذه القوات.
كما انتقد الرئيس ترامب عدداً من الدول التي تقدم لها المساعدات في هذا الصدد، وأشار في ذلك إلى هندوراس وجواتيمالا والسلفادور والتي جاء منها معظم المهاجرين، متوعداً بوقف المساعدات عن هذه الدول. كما وجه سهام نقده إلى المكسيك التي قال إنها لم تتمكن من إيقاف المهاجرين من التوجه إلى الأراضي الأميركية الشمالية.
وتتعرض المكسيك في الآونة الأخيرة لمجموعة من الضغوط تفرضها عليها الولايات المتحدة الأميركية، وذلك من أجل إيقاف موجات الهجرة الجنوبية. وهدد الرئيس الأميركي ترامب تهديداته بإمكانية إغلاق الحدود مع المكسيك جرّاء هذه التطورات.(1)
وقرر ترامب في أعقاب ذلك إرسال 15 ألف جندي إلى الحدود مع دولة المكسيك لمنع قدوم المهاجرين إلى الولايات المتحدة، قائلاً في مؤتمر صحفي له «لن نسمح لقوافل المهاجرين من دول أميركا الجنوبية بالقدوم إلى الولايات المتحدة الأميركية.
من جهتها قررت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاجون» أوائل الشهر الجاري إرسال 5200 جندياً إضافياً إلى الحدود المكسيكية للغرض نفسه، ليلحقوا برفقائهم الذين أرسلهم الرئيس ترامب في وقت سابق من شهر نيسان أبريل الماضي، وكان عددهم يبلغ حوالي 2100 شخص من الحرس الوطني الأمريكي.
وأرجعت الإدارة الأميركية أسباب عدم قبولها لطلبات المهاجرين بأنهم غير مؤهلين للتقدم بطلبات اللجوء للولايات المتحدة، ووصف ترامب هذه الهجرات بأنها تشبه «الغزو». وهددت وزارة الأمن الداخلي الأميركي بأن من ينتهك القيود الرئاسية في البلاد فسوف يُحرم من دخولها.(2)
المهاجرون مصممون على دخول الولايات المتحدة الأميركية
رفض المهاجرون الجنوبيون إلى الولايات المتحدة الأميركية عروضاً قدمتها دولة المكسيك ورئيسها أنريكي بينا نييتو بشأن إسكان هؤلاء المهاجرين داخل منازل صغيرة أو فنادق في البلاد، وتمتعهم هم وأولادهم بالخدمات المتعددة على الأراضي المكسيكية في حال قدموا طلبات للجوء في ولايات مثل «أكوساكا» و»تشيباس» جنوب المكسيك.
وأعرب المهاجرون عن رفضهم لذلك قائلين إنهم مصممون على المضي قدماً إلى الأراضي الأميركية بعد رفضهم لعرض الرئيس المكسيكي نييتو.(3)
أبرز دوافع هجرة مواطني اميركا الجنوبية للولايات المتحدة الأميركية
تكمن العديد من الأسباب وراء هجرة مواطنين من أميركا الجنوبية إلى الشمال وإلى الولايات المتحدة الأميركية، وتعد أبرز هذه الأسباب ما يلي:
تُعد مشكلة الأمن من أبرز المشكلات التي تواجهها دول أميركا اللاتينية بنحو عام، حيث تتصدر بعض دول أميركا الجنوبية قائمة أكثر الدول التي تشهد معدلات عنف مرتفعة في العالم، ودخلت العديد من الدول في هذه القارة ضمن أعلى معدلات جرائم القتل على مستوى العالم عام 2012.
وتشير العديد من المصادر إلى أن 19 دولة في أميركا الجنوبية هي من يتصدر هذه القائمة. ومن ناحية أخرى، تقع، حسب هذه المؤشرات، حوالي 32% من مجموع جرائم القتل التي تقع في العالم داخل دول أميركا الجنوبية.
ويصل معدل ارتكاب هذه الجرائم في أميركا الجنوبية إلى 26 لكل 100 ألف شخص من مواطني هذه الدول، وذلك في الوقت نفسه الذي بلغ 6.2 لكل 100 ألف على مستوى دول العالم ككل.
وكانت دراسة أجريت في العام 2011 قد أظهرت أن 33% من سكان أميركا الجنوبية قد وقعوا في ضحية لأعمال عدائية وأن 18% منهم كانوا ضحايا لأعمال عنف تقع من قِبل عصابات للجريمة المنظمة أو أعمال فردية، ولذا فإن هذا الجانب يشكل الخطر الأمني الأول لدى سكان أميركا اللاتينية، ويُعد من أبرز الأسباب التي تدفعهم لترك دولهم والتوجه شمالاً حتى دول المكسيك، والولايات المتحدة الأميركية.
وكانت هيئة الأمم المتحدة قد قالت في تقرير لها عام 2013 إن التهديدات الأمنية الرئيسة التي يتعرض لها مواطنو قارة أميركا اللاتينية تتشكل في التالي:
– الجريمة المنظمة.
– الجريمة المرتكبة ضد الشباب.
– جرائم الشارع.
– الفساد.
– العنف بين الجنسين.
– العنف غير المشروع.
– السرقة: وقد وُصِفت بأنها المشكلة الأبرز التي تواجه سكان هذه الدول في الوقت الحاضر. وليست السرقة فقط ضد المواطنين، بل إنها تشمل كذلك السطو المسلح وسرقة مصارف أو بنوك أو مؤسسات كبرى.(4)
والجدير بالذكر هنا تأكيد المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2017 بأن دول أميركا اللاتينية تُعد الحاضن الأكبر لأخطر عصابات المافيا والجريمة المنظمة في العالم. وأشار المنتدى في هذا الصدد إلى أن السلفادور تُعد الأبرز بين دول القارة في انتشار هذه النوعية الخطيرة من العصابات، وذلك في تقرير شمل 137 حول العالم. وتابع التقرير أن دولاً أخرى في القارة وقعت ضمن فئات الدول التي تشهد معدلات عنف محلية مرتفعة، مثل فنزويلا وهندوراس وبيرو وغيرهم.(5)
وعليه، فإن ارتفاع معدلات العنف في دول أميركا الجنوبية، كما سبق ذكره، يُعد أحد أبرز الأسباب التي دفعت العديد من مواطنيها إلى الهجرة إلى الولايات المتحدة. ولكن الأمر لا يقتصر على الجريمة فقط، اذ إن هناك أسباباً أخرى وراء مثل هذه الهجرات، مثل الفقر والبطالة وغيرهما، إلا أنهما لا يشكلان دافعاً قوياً مثل الدافع وراء الهروب من العنف.
المصادر والمراجع
1- «ترامب: المهاجرون من اميركا الوسطى يشكلون حالة طوارئ وطنية»، بي بي سي البريطانية، 22 أكتوبر 2018.
2 – «الجيش الأمريكي يرسل 5,200 جندي إلى الحدود مع المكسيك»، بي بي سي البريطانية، 30 أكتوبر 2018.
3 – «الآلاف من أفراد قافلة المهاجرين باميركا الوسطى يرفضون عرض الرئيس المكسيكى»، اليوم السابع، 27 أكتوبر 2018.
4 – «التداعيات السلبية للجرائم الفردية في اميركا اللاتينية والكاريبي»، مرصد اميركا اللاتينية، 26 مايو 2016.
5 – «أكثر الدول خطورة في جرائم المافيا.. أين تقع؟»، الديار، 27 أكتوبر 2017.
المركز العربي للبحوث والدراسات