هدية حسين
دخل المقهى وعلامات الغضب على وجهه، جلس إلى جوار رجل لا يعرفه، أطلق آهة طويلة جعلت الرجل يلتفت إليه ويسأله عمّا به، فردّ بسؤال:
– هل سمعت أخبار اليوم؟
قال الرجل مُنهياً آخر نفس في سيجارته:
– «بزعت» روحي فتركت العالم يتصارع على الشاشات.
قال وما يزال الغضب لا يفارقه:
– 2417 عراقياً قُتل في شهر حزيران.
ردّ الرجل:
– أكيد سيضج العالم لهذه المجازر.
صرخ بعصبية:
– كلا.. العالم ضجّ هذا الصباح لمقتل ثلاثة في بلد آخر.
فاتورة
أخيراً تحقق حلمها، ورأت الشاعر الرومانسي، الذي وضع عشرين كتاباً في الغزل، اقتربت منه، وغرزت عينيها الجميلتين في عينيه لتعرف السر وراء عشقه للمرأة، فلعلها تصبح حبيبته ويكتب عنها أجمل القصائد، في كتاب يحمل الرقم الواحد والعشرين.. هي التي بدأت الكلام معه، ولم يتوان بعد دقيقتين من دعوتها إلى مطعم فاخر، تنساب من زواياه موسيقى هادئة.
كان جذاباً وأنيقاً، تماماً كما يظهر في اللقاءات التلفزيونية، وعلى المائدة امتدت صحون الطعام الفاخر، وكان كريماً معها في الغزل، أسمعها أعذب الكلمات فحلّقت في سماوات البهجة، إلى الدرجة التي دعت في سرّها الله أن لا تكون هذه اللحظات محض حلم ستصحو منه بعد قليل.
وبعد قليل، حين رُفعت الصحون، ووضع النادل فاتورة الحساب، قرّب الشاعر فمه منها وهمس كأنه يُكمل قصيدة: هل يمكنك دفع فاتورة الحساب، لقد نسيت محفظتي؟
هرب
أين العمر، أين العمر؟ طرقتُ الأبواب كلها، لعلّ أحداً يدلني عليه، سلكتُ الطرق جميعها باحثة عنه، فلم أجده، هاجرتُ إلى المدن القصية أحمل علامات استفهامي، فلم أعثر عليه… لقد غافلني وهرب مني، بعد أن سرق كنوزي.
لصوص
صغيرةً كانت عندما رأت للمرة الأولى تمثال كهرمانة والأربعين حرامي، وقفت إلى جانب أبيها الذي راح يحكي لها قصة كهرمانة التي سكبت الزيت على اللصوص المختبئين داخل الجرار، بدا رقم الأربعين هائلاً على مخيلتها الصغيرة.
كبرت مع الأيام، نسيت حكاية كهرمانة، مرت سنوات على تلك الذكرى، قُتل أبوها إثر انفجار سيارة مفخخة..وذات يوم مرت بالقرب من التمثال، كانت كهرمانة ما تزال تسكب الزيت على الجرار الأربعين، على الرغم من أن اللصوص تناسلوا على نحوٍ مخيف، وتكاثروا مثل الجرذان، وانتشروا في طول البلاد وعرضها، ولم يعد الزيت يكفي لقتلهم.