هنــا خــازر

فيحاء السامرائي

علينا تحمّل حر فاجع فاجر، فنحن، كما تقول أمي، في حال أفضل من غيرنا، لسنا عالقين على حدود مدن ترفضنا ولا مفترشين العراء، أو ليس كما الذين قضوا بقصف هاونات أو بطرق أخرى للموت وما أكثرها اليوم.. نحن نسكن في مخيم ونمارس خصوصياتنا داخل كيس بلاستيكي يسمى خيمة، فيها نتدرب على تمرينات أولية تنفع في تحمل نار الجحيم الموعود، حر يضطر جراءه غودو الى تأجيل عودته كما يذكر أخي.. عويل وصراخ أطفال لا ندري هل من جوع أو حر لا يكفّ عن إزعاجنا، يسحب أحدهم طفله مسرعاً، يضعه تحت صنبور مياه يفتحه عليه، يصيح به ناس تتجمع لائمين عليه قسوته، حرام عليك، لأن الماء ساخن لايصلح للشرب فما بالك للسبح أو للتخلص من الحر، تلكزني أمي:
– شفتو؟ نحن أفضل من غيرنا، ليس عندنا أطفال..أطفال لايستحمون ورائحتهم لاتطاق.
يعلّق أبي:
– من كثرة الحمامات ومواد النظافة، لو كنا ذهبنا شمالاً لكنا الآن إما في مخيم دوميز أو بردرش، تكون عندنا دورات مياه «مال أوادم» ومبردات
تسكته:
– تلك للنازحين السوريين، «خازر» للعراقيين، احمدوا ربكم نحن نازحون ببلدنا
– ما بعد ذلك نعمة، بلد مقابر والآن مخيمات
يركض أحداث وشباب نحو قادمين أجانب يصورون المخيم، يقف هؤلاء في ظل خيمة، ينزعون قبعاتهم، يجففون عرقهم يتحدثون مع سكان المخيم بصعوبة، يحمل أحدهم طفلاً يحك جلده، يصرخ الصغير بين يديه ربما فزعاً من لون أحمر قان لجلد الأجنبي المتقد حرارة، يبدو هذا الغريب متعاطفاً مع الأطفال، ينصح الأباء على لسان مترجم معه:
– لاتدعوا أطفالكم، يتفرجون على أفلام رعب وعنف، ليكن عراق المستقبل أفضل.
يدفع المترجم الطفل الى أبيه، يقرأ ما بعين الوالد:
– أفلام أبوك شنو، واقعنا أفضل مدرسة رعب.
يريد الأب أن يخبر الضيف كيف شهد صغيره بأم عينيه مصرع أخوته وأمه، يؤشر له المترجم بيده، يفهمها بأن لا جدوى من الحديث.
تحدث ضجة ولغط في جانب آخر من المخيم، يترك الأولاد الضيوف الأجانب ويجرون نحو سيارة تفرغ موادَّ غذائية وإعانات:
– طابور، طابور فرمو..تحضروا شوية، ناته واو، ناشارستانى
تلوم أمي جدتي لأنها تخطئ أمام كاميرات التصوير حينما توجه شكرها الى السيد القائد على مكرمته:
– بقى قائد يمّة !! وين أنت عايشة ؟
يحمل النازحون ما يحصلون عليه الى خيامهم، يزداد بكاء أطفال مع ازدياد شدة الحر، لايُسمح لنا بالخروج من المخيم، تبكي جدتي حينما تتذكر أياماً مضت، يصلي أبي متكتفاً وحينما ينتهي، يعطي السجادة الى جار قربه يصلي مسبلاً يديه، تصفّ أمي في ركن الخيمة ما أخذناه من مواد غذائية مبتسمة، تسرح قليلاً، ثم تسقط من عينيها دمعتان، تمسحهما قائلة:
– عندنا مواد غذائية، لن نموت من الجوع، نحن أفضل من غيرنا
تأتينا أخبار عن نازحين جدد لا يسمح لهم بدخول خازر، لا أدري كيف تسع الـ 500 خيمة ناس آخرين.
تنظر أمي نحونا بانتصار:
– شفتو؟
يحرك أخي رأسه ساخراً..أحلم أنا ببيتنا، بغرفتي، بثلاجة فيها ماء بارد، بحديقة ورائحة زهور وعشب، أخبر أمي عن أمنيتي وحلمي في الرجوع، تخبرني أن لا رجعة حتى ينصلح الأمر، وأنها تخشى عليّ من جهاد نكاح أو اختطاف، أسألها متى نرجع إذن؟ تصمت.
نتجمع في المساءات، يتحدث الكبار عما فقدوه من مال وسكن وعزيز:
– كيف مات؟ قصف لو ذبح؟
– لا، اختطاف وقتل
يحتدم حديث بشأن المصير ومجهول الآت..يرتفع صراخ جارتنا المسيحية وتشتد عليها آلام الطلق، تهرع أمي وبعض من نساء المخيم نحو خيمتها، نسمع بكاء طفل وليد، يبتسم النازحون لولادة أول نازح صغير، تعترض والدته على اسم يطلقه والده عليه، تقول لها أمي:
– أفضل من أسماء أخرى تأتي بأجل حاملها.
تداعب الوليد وتناغيه:
– أشلونك يا حلو يا خازر، عسى من تكبر، ما تشوف مجازر.
ما من أمر عجيب أبداً في بلد ينتج «خازر».

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة